تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورحم الله الإمام القسطلاني حين كتب: (وإنَّما يجد ذوق التعب من نازله، ويعرف قدر الضرر من واصله، وفي مثل ذلك قيل:

لا يعرف الشوق إلاَّ من يكابده ... ولا الصبابة إلاَّ من يعانيها)

(مدارك المرام في مسالك الصيام/ للقسطلاَّني/صـ74)

فما أجمل مقصد الشارع الحكيم في مشروعية الصوم، ولا ريب أنَّه يسبب تآلف أرواح الصائمين، وليس شيء أقوى من هذه الإرادة المتينة، فأين نحن إذاً من شعورنا بمعاناة إخوانٍ لنا فراشهم الأرض، ولحافهم السماء، وأكلهم ضئيل، وزادهم أقلُّ من القليل، أفلا يليق بنا أن نشعر بمعاناتهم، ونكون ممَّن يواسيهم، خاصَّة أنَّ العلماء ذكروا أنَّ من أسماء هذا الشهر: (شهر المواساة) حيث يواسي فيه الأغنياء، إخوانهم الفقراء والمعدمين. ونتأسَّى برسول الهدى ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حيث إنَّه كما ذكر ابن عبَّاس ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان) أخرجه البخاري (1902) ومسلم (2308)

ولهذا استحبَّ العلماء تفطير الصائمين المساكين خصوصاً، والمسلمين الموسرين عموماً لإطعامهم، والشعور بالتكافل الاجتماعي فيما بينهم، وتوثيق الروابط الاجتماعية لديهم؛ فقد أخرج البيهقي بسنده عن أمِّ عمارة بنت كعب الأنصارية أنَّ النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ دخل عليها فدعت له بطعام فقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة، فقال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: (إنَّ الصائم إذا أُكِل عنده صلَّت عليه الملائكة حتَّى يفرغوا) السنن الكبرى (4/ 305) وفي رواية الترمذي وزاد: (وربَّما قال: حتَّى يشبعوا) أخرجه الترمذي وحسَّنه. وليس معنى تفطيرالصائم هو أن تعطي صاحبك أوالفقير بضع تمرات ورطبات وماء، بل معنى ذلك أن تفطر الصائم وتشبعه كما ذكر الإمام ابن تيمية، حيث قال: (والمراد بتفطيره أن يُشبعه) (الاختيارات الفقهية/ ص109) ويستدل لذلك بما في الحديث المذكور آنفاً.

ومن الأحاديث الدالَّة على استحباب تفطير الصائم، قوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء) أخرجه الإمام أحمد (2/ 174) وصحَّحه الألباني في الإرواء (1415)، ومنها حديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، مرفوعاً إلى رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: (من سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتَّى يدخل الجنَّة).

والمراد أنَّ من بيده شيئاً من المال الفائض فليقدم شيئاً منه لإخوانه الذين لا يجدون ما يأكلون وما يطعمون، وإنَّ من خير التصدق؛ التصدق في شهر الصوم، حيث يضاعف الله فيه الدرجات، ويزيد الحسنات، ومن هذا المنطلق فإنَّ أهل العلم كانوا يستحبُّون استحباباً كبيراً التصدق في هذا الشهر، قال الإمام الشافعي: أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان، اقتداءً برسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم! (لطائف المعارف/صـ315)

4ـ حفظ الصِّحَّة:

من حِكَمِ الصيام؛ أنَّ فيه فوائد صحية كثيرة وفيه راحة للبدن، وإجازة للجهاز الهضمي لإعطائه فترة من الزمن يستريح فيها من الامتلاء والتفريغ فيحصل له استجمام وراحة يستعيد بها نشاطه وقوته، ولا شك أنَّ المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، كما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة.

وليس من شكٍّ أنَّ الصوم فيه صحَّة وراحة للإنسان، وأنَّه مقاوم لأمراض عدَّة قد تجتاح جسم الإنسان، أو أنَّه يخفف من وطئتها إذا ابتلي بها الجسم، ومن فوائد الصيام الصحية: الوقاية من الأمراض وخاصة أمراض المعدة، وزيادة الوزن، وزيادة الدهون، وزيادة الضغط، والسكري، والتهاب المفاصل.

ولهذا فإنَّ بقراط الملقب بأبي الطب اليوناني قد استعمل الصوم كعلاج خلال الأيام الأولى من المرض، وكان يصف أنواعاً مختلفة من الصوم تتناسب مع المرض الذي يصاب به الشخص المريض (انظر: الصوم علاج كلِّ الأمراض ـ للدكتورة: أميَّة لحُّود: صـ8).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير