قال عبد الله بن مسعود ((لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذّ الشعر، قفو عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة)) أخلاق حملة القرآن 10_11
و في مسند الإمام أحمد عن عائشة _ رضي الله عنها _ ((أنه ذكر لها أن ناسا يقرأون القرآن في الليلة مرة أو مرتين، فقالت: أولئك قرأوا ولم يقرأوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام فكان يقرأ سورة البقرة، و آل عمران، والنساء، فلا يمر بآية فيها خوف إلا دعا الله و استعاذ و لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب إليه)).
و في صحيح مسلم عن حذيفة قال ((صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت يركع عند المائة ثم مضى، فقلت يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ)) صلاة المسافر رقم 772
وفي صحيح مسلم عن أبي وائل قال ((جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود و فيه قال:
إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله: هذّاً كهذّا الشعر؟!!! إن أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم)).
أتى أحدهم إلى ابن عباس _ حبر هذه الأمة _ رضي الله عنه فقال ((إني سريع القرأة إني أقرأ القرآن في ثلاث)).
فقال ابن عباس _ العالم الرباني رضي الله عنه _ مربياً هذا الرجل ((لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة فأتدبرها و أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ)) ذكرته بتصرف من ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/ 554
أراد ابن عباس أن يبين له أن القرآن لم ينزل للقرأة فقط حتى يفتخر بسرعة قرائتهإنما أُنزل ليتدبره و يعمل بما فيه.
هذا قول ابن عباس.
وأما فعله فأقرأوا أيها الناس: عن ابن مليكة قال ((صحبت ابن عباس _ يعني في السفر فإذا نزل قام شطر الليل و يرتل القرآن يقرأ حرفاً حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج و النحيب)) ذكره محمد موسى نصر في كتاب فضائل القرآن من كتاب المرشد الوجيز لأبي أسامة.
يقول ابن القيم _ رحمه الله _ لو علم الناس ما في قرأة القرآن بالتدبر لا اشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأة بتفكر حتى مر بآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر و تفهم، و أنفع للقلب، و ادعى إلى حصول الإيمان و ذوق حلاوة القرآن.
وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح، و هي قوله ((إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفرلهم فإنك أنت العزيز الحكيم)) مفتاح دار السعادة 1/ 553 - 554
وقال عبادة ((دخلت على أسماء _ رضي الله عنها _ وهي تقرأ ((فمن الله علينا و وقانا عذاب السموم)) فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو فطال على ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت و هي تعيدها وتدعو)) التبيان 61
وعن مسروق ((قال لي رجل من مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح أو كاد، يقرأ آية يرددها، ويبكي ((أم حسب الذين اجترحوا السيئات أنجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات)) الجاثية 20 ((سير أعلام النبلاء 2/ 425))
يرددون الآية ليلهم كله
ليذوقوا لذتها
ويستطعمو حلاوتها
رحم الله السلف علموا فعملوا، فأين نحن منهم.
واعلم أخي أن قاصد التدبر في كتاب الله، يحتاج إلى عدة أمور، منها:
1 - النظر في كلام أهل العلم: و قرأة ما كتبوا في تفسير القرآن الكريم، فلا يأتي التدبر دون فهم المعاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاويه ((وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لايمكن)) فتاوى ابن تيمية 13/ 331_332
وقال أيضا _ رحمه الله _ في مقدمة التفسير [يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، كقوله تعالى {لتبين للناس ما نُزِّل إليهم} سورة النحل الآية 44 يتناول هذا و هذا.
شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين 21
و عليك أخي بتفسير ابن كثير والطبري والسعدي رحمهم الله.
2 - معايشة معاني الآيات: وهو من أعظم سبل تدبر القرآن.
¥