وقال الحافظ ابن حجر: (والعجب ممن يحمل قوله (ولا حرج) على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجباً يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج).
وأما قوله (لم أشعر) يطلق الشعور بمعنى العلم ويطلق بمعنى النسيان يقال لم أشعر بكذا أي لم أفطن وشعرت بالشيء إذا فطنت له.
- وعند الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حلقت قبل أن أذبح فقال أذبح ولا حرج وسأله آخر فقال نحرت قبل أن أرمي قال أرم ولا حرج) قال الترمذي وفي الباب عن علي وجابر وابن عباس وابن عمرو وأسامة بن شريك.
- وفي السنن الكبرى للنسائي (2/ 446): عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي فجعل يقول: (لا حرج).
- وفيها أيضاً: عن جابر أن رجلاً قال: يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي قال: (إرم ولا حرج) قال آخر: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح قال: (اذبح ولا حرج) قال آخر: طفت بالبيت يا رسول الله قبل أن أذبح قال: (اذبح ولا حرج).
- وفيها أيضاً: عند عبد الله بن عمرو وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته بمنى فأتاه رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت أرى أن الحلق قبل الذبح فحلقت قبل أن أذبح قال: (اذبح ولا حرج) ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله: إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي فذبحت قبل أن أرمي قال: (أرم ولا حرج) فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل إلا قال: (افعل ولا حرج) وفي رواية: (لم أشعر) فنحرت قبل أن أرمي قال: (أرمي ولا حرج).
- ولفظ الحديث عند ابن ماجة قال: (قعد رسول الله بمنى يوم النحر للناس فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج ثم جاه آخر فقال يا رسول الله إني نحرت قبل أن أرمي قال: لا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم قبل شيء إلا قال لا حرج).
- وحديث علي عند أحمد قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني رميت الجمرة وأفضت ولبست ولم أحلق قال: فلا حرج فأحلق ثم آتاه آخر فقال إني رميت وحلقت ولبست ولم أنحر قال: لا حرج فأنحر).
- وحديث أسامة بن شريك عند أبي داود ( .. فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك).
حكم التقديم والتأخير:
وقد اختلف العلماء في تقديم وتأخير مناسك يوم العيد –وهي معظم أعمال الحج: الرمي والنحر والحلق أو التقصير والطواف بالبيت مع اتفاقهم على ترتيب ما عداها فلا يتقدم بشيء من هذه على الإحرام (الدخول بالنسك) أو الوقوف بعرفة أو المبيت بمزدلفة أو طواف الوداع.
فذهب الجمهور من العلماء من السلف والخلف إلى جواز تقديم هذه المناسك بعضها على بعض مستدلين بأدلة منها:
1 - قول الرسول بأكثر من رواية (أفعل ولا حرج) وقالوا إن (لا) نافية للجنس فتشمل نفي الدم والإثم معاً.
2 - قالوا: حديث ابن عباس في الموطأ (من ترك أو نسي من نسكه شيئاً فليهرق دما) فاختلف في رفعه إلى الرسول أو وقفه على ابن عباس وعارضه في الحالين ما هو أصح منح كحديث علي وعبد الله بن عمرو وجابر وابن عباس نفسه وكلها في الصحيحين والسنن.
3 - وحديث ابن عباس في الموطأ الصحيح أنه موقوف على ابن عباس وإذا تعارض قول الراوي مع روايته فالعبرة بروايته لا برأيه.
4 - ولو كان الدم واجباً على من قدم نسكاً على آخر من أنساك يوم العيد لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولا يجوز لأحد أن يوجب ما لم يوجبه الله ورسوله.
5 - لفظ (نسك) يطلق على كل ما شرعه الله من أعمال الحج من الأركان والواجبات والسنن كلها داخلة في معنى (النسك) في قول الرسول (خذوا عني مناسككم) وإذا كانت كذلك فإن ترك الأفعال أو نسيان هذه الأفعال في درجة واحدة فإن ترك الركن لا يجبر بالدم بل لابد من الإتيان به وسنة النسك لا دم على تاركها.
¥