ملاحظة مهمة: ظاهر جدا من كلام الجفري أنه لا يعرف مصطلحات أهل العلم فهو يهرف بما لا يعرف، فقوله عن المولد سنة مؤكدة.
فالسنة المؤكدة عند أهل العلم هي التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وداوم عليها، فهل يقول الجفري و أمثاله أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمل المولد وداوم عليه؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2) قال الجفري: ما هو المولد؟ عبارة عن فرح لله و رسوله. ما حكم الفرح في الله و رسوله؟ قال تعالى: ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)) الله أمرنا بالفرح و ذكر أهل التفسير فضل الله و فضل رسوله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
الرد عليه: أولا: تفسير الآية بما فسره به الجفري من قبيل تفسير كلام الله تعالى على ما لم يفسره به السلف الصالح و الذي ينبغي أن تفسر به الآية هو ما فسره الأئمة الأعلام.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: أي بهذا جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به. اهـ.
ولا يوجد في كلام السلف تفسير الآية بما فسربه الجفري
ثانيا: لم يأمر الله تعالى عباده أن يخصوا ليلة المولد بالفرح و الاحتفال، و إنما أمرهم أن يفرحوا بما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى و دين الحق، و يدل على ذلك الآية التي قبلها قال تعالى: ((يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)) آية 57 ثم قال تعالى ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)) سورة يونس: 57،58
و فضل الله هو الإسلام و رحمته القرآن وقيل العكس و كلاهما من فضل الله و رحمته و بهذا فسرها ابن عباس و أبو سعيد الخدري و زيد بن أسلم و الضحاك و مجاهد و قتاده
ثالثا: أن رحمة الناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، و إنما كانت ببعثه و إرساله إليهم قال تعالى: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) الأنبياء: 107 و لم تتعرض الآية لولادته صلى الله عليه وسلم.
و من السنة في صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة)).
و روى الإمام أحمد و أبو داود بإسناد حسن عن سلمان رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ((أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من بني أدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3) قال الجفري: الاحتفال بمناسبة النبي صلى الله عليه وسلم سنة، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما سأل: ماذا تقول عن صوم فلان يوم الاثنين. قال هو يوم ولدت فيه)) اسمع. قبل أن يأتيك كلام المدللين الذين قالوا أن الاحتفال بالصيام ما كان في المولد. اهـ.
الرد عليه:
أولا: لفظ الحديث كالآتي: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين؟ فقال: ((فيه ولدت. وفيه أنزل علي)).
ثانيا: يقال إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه فإن المعقول و المنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وسلم ربه به و هو الصوم، و عليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم. و إذا سئلنا، قلنا: إنه يوم ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن نصومه شكرا لله تعالى، غير أن كثرا من الذين يحتفلون بالمولد لا يصومونه، بل الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام و الشراب، و هم لا يريدون ذلك، فتعارض الغرضان فآثروا ما يحبون على ما يحب الله تعالى.
ثالثا: من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته و هو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول _ إن صح _ و إنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه كل شهر أربع مرات أو أكثر، و بناء على هذه فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع يعتبر استدراكا على الشارع، و تصحيحا لعمله، و ما أقبح هذا _ إن كان - و العياذ بالله تعالى.
رابعا: هل النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم الاثنين شكرا على نعمة الإيجاد و لإمداد و هو تكريمه ببعثته للناس كافة بشيرا و نذيرا إضافة إلى الصيام احتفالا، كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات، و مدائح و أنغام، و طعام و شراب؟.
و الجواب: لا، و إنما اكتفى بالصيام فقط، إذا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم و يسعها ما وسعه صلى الله عليه وسلم؟.
و هل يقدر عاقل أن يقول لا؟ و إذا فلم الأفتيات على الشارع و التقدم بالزيادة عليه، و الله تعالى يقول: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) الحشر:7.
و يقول جل ذكره: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله واتقوا الله إن الله سميع
عليم)) الحجرات: 1.
و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
و يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمه من ربكم فاقبلوها)) و هذا لفظ الدارقطني في سننه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثاني إن شاء الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته