إنه إذا كان سبحانه مبايناً للعالَم فإما أن يكون محيطا به أو لا يكون محيطا به، فإن كان محيطاً به لزِم علوّه عليه قطعاً ضرورة علو المحيط على المحاط به، ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها، ولما كان الكرسي محيطاً بالسماوات كان عالياً عليها، ولما كان العرش محيطاً بالكرسي كان عالياً فما كان محيطاً بجميع ذلك كان عالياً عليه ضرورة ولا يستلزم ذلك محايثته لشيء مما هو محيط به ولا مماثلته ومشابهته له.ا. هـ.
والكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه.
قال ابن أبي العز الحنفي " شرح العقيدة الطحاوية " (ص 312، 313):
وأما الكرسي فقال تعالى: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " [البقرة / 255]، وقد قيل: هو العرش، والصحيح: أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره روى ابن أبي شيبة في كتاب " صفة العرش " والحاكم في " مستدركه " وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " أنه قال: " الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ".ا. هـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في " القول المفيد شرح كتاب التوحيد " (3/ 393، 394):
هناك من قال: إن العرش هو الكرسي لحديث " إن الله يضع كرسيَّه يوم القيامة "، وظنوا أن الكرسي هو العرش.
وكذلك زعم بعض الناس أن الكرسي هو العلم، فقالوا في قوله تعالى: " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " أي: علمه.
والصواب: أن الكرسي موضع القدمين، والعرش هو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه.
والعلم: صفة في العالِم يُدرك فيها المعلوم. والله أعلم.ا. هـ.
3 - السؤال:
عندما قال رسول الله " وخلق الله آدم على صورته أو هيئته " إلى من تعود كلمة صورته أو هيئته، وكيف نفسر هذا؟.
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن".
وروى مسلم (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ".
وروى ابن أبي عاصم في السنة (517) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن". قال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله: (هذا حديث صحيح صححه الأئمة، الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية وليس لمن ضعفه دليل إلا قول ابن خزيمة، وقد خالفه من هو أجل منه).
وروى ابن أبي عاصم (516) أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قاتل أحدكم فليجتب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه" وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح.
وهذان الحديثان يدلان على أن الضمير في قوله " على صورته " راجع إلى الله تعالى.
وروى الترمذي (3234) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني ربي في أحسن صورة فقال يا محمد قلت لبيك ربي وسعديك قال فيم يختصم الملأ الأعلى ... " الحديث، صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وفي حديث الشفاعة الطويل: " فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة" رواه البخاري (7440) ومسلم (182).
ومن هذه الأحاديث يعلم أن الصورة ثابتة لله تعالى، على ما يليق به جل وعلا، فصورته صفة من صفاته لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم.
¥