تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والتنطع والإفراط والغلو قد يؤدي إلى الخروج من الدين، كما حصل للخوارج الذين غلو في الدين وتنطعوا فيه حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ) (8)، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين فقال (وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) (9)؛ فالتنطع والإفراط والغلو في اي شيء يؤدي إلى عكس المراد من فعل الشيء. قال ابن حجر: (الأَولى للعامل بذلك أن لا يجهد نفسه بحيث

يعجز وينقطِع , بل يعمل بتلطف وتدريج ليدوم عمله ولا ينقطع) (10).

والأحاديث التي تحث وتأمر بالرفق والتيسير في العبادة كثيرة منها حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا .. ) (11)، وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ مَا هَذَا الْحَبْلُ قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ) (12)، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ) (13). قال ابن تيمية رحمه الله: (خير الأعمال ما كان لله أطوع ولصاحبه أنفع وقد يكون ذلك أيسر العملين وقد يكون أشدهما فليس كل شديد فاضلا ولا كل يسير مفضولا بل الشرع إذا أمرنا بأمر شديد فإنما يأمر به لما فيه من المنفعة لا لمجرد تعذيب النفس ... وأما مجرد تعذيب النفس والبدن من غير منفعة راجحة فليس هذا مشروعا لنا بل أمرنا الله بما ينفعنا ونهانا عما يضرنا وقد قال فى الحديث الصحيح] إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين [) (14). ويجب في العمل طلب الصواب والإخلاص واتباع السنة فيه ليكون العمل مقبولا إن شاء الله (15).

دروس أخرى مستفادة من الحديث:

1_ يؤخذ من قوله "واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة" الإستعانة على طاعة الله

بالأعمال في هذه الأوقات الثلاثة (16). وعبر في الدلجة بالتبعيض لأَن عمل الليل أشق من عمل النهار. وهذه الأَوقات أطيب أوقات المسافر، وكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه؛ لأَن الْمسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأَوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة. وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الاخرة، وأن هذه الأَوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة (17).


(1) بتصرف: فتح الباري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، حديث "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه .. ".
(2) مسند أحمد، أول مسند الكوفيين، باب حديث ابن الأدرع رضي الله عنه، حديث "عسى أن يكون مرائيا .. "؛ صححه
الألباني رحمه الله. (صحيح الجامع الصغير وزيادته، ج1 ص 458)
(3) صحيح مسلم، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، حديث "هلك المتنطعون".
(4) صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، حديث "هلك المتنطعون".
(5) مدارج السالكين لإبن قيم الجوزية، فصل التعظيم (2\ 495).
(6) صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب الجلوس على الحصير ونحوه، حديث "خذوا من الأعمال ما تطيقون".
(7) فتح الباري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، حديث "سددوا وقاربوا وأبشروا .. ".
(8) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، حديث "دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته .. ".
(9) سنن النسائي، كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصي، حديث " بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين .. "؛ صححه
الألباني (صحيح الجامع الصغير، ج1 ص522).
(10) فتح الباري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، حديث "إن الدين يسر ولن يشاد أحد إلا غلبه .. ".
(11) صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب الجلوس على الحصير ونحوه، حديث "خذوا من الأعمال ما تطيقون".
(12) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب ما يكره من التشديد في العبادة، حديث "ما هذا الحبل .. ".
(13) مسند أحمد، باقي مسند المكثيرن، باقي المسند السابق، حديث "إن هذا الدين متين .. "؛ صححه الألباني (صحيح الجامع
الصغير ج1 ص447).
(14) مجموع الفتاوى) 22\ 313 - 314).
(15) انظر: فتح الباري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، حديث "لن يُنجي أحدا منكم .. ".
(16) مدارج السالكين، فصل التعظيم (2\ 495).
(17) بتصرف: فتح الباري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، حديث "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه .. ".

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير