تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وصارع محمد الشهرستاني ابن سينا في كتاب سماه (المصارعة)، أبطل فيه قوله بقدم العالم، وإنكار المعاد، ونفي علم الرب تعالى وقدرته وخلقه العالم) [12].

وإضافة إلى ذلك، فقد تحدث الشهرستاني عن الباطنية، وذكر شيئاً من مقالاتهم [13]، ولكن كان الواجب على الشهرستاني أن يكشف عن معتقدات الباطنية، ويبين إلحادهم وزندقتهم وكيدهم لأهل الإسلام، كما فعل سلفه عبد القاهر البغدادي في (الفرق بين الفرق) [14]، وغيره. ونقف وقفة يسيرة أمام هذه الأقوال المتعارضة، لنقول: إنه يمكن أن نعزو رمي واتهام الشهرستاني

بالإسماعيلية إلى جملة أسباب تتعلق بشخصه، منها: أن الشهرستاني -وللأسف - مع كثرة اطلاعه ومعرفته للمذاهب والفرق الإسلامية، فإنه كان جاهلاً بمذهب

السلف الصالح، فلا يعلم معتقد أهل الحديث، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام في غير

موضعٍ، فقال: (فالشهرستاني صنف (الملل والنحل)، وذكر فيها من مقالات الأمم ما شاء

الله، والقول المعروف عن السلف والأئمة لم يعرفه، ولم يذكره) [15].

ولقد ورَّثت هذه المعرفة الواسعة للمذاهب المختلفة صاحبنا-مع الجهل بمذهب السلف الصالح - حيرةً واضطراباً، عبر عنها بهذين البيتين من الشعر، فقال:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سن نادم [16]

وتتمثل هذه الحيرة وعدم الاستقرار على مذهب ما، ما نلاحظه في

الشهرستاني من موافقة للأشاعرة، ومن ميل للإسماعيلية مرة أخرى، وإظهار التشيع [17] مرة ثالثة، وربما تأثر بفلسفة أو تصوف.

وسبب آخر جعل بعض العلماء يتهم الشهرستاني بالباطنية، وهو ما أشار إليه ابن حجر -رحمه الله-حيث قال معقباً على ما ذكر من وقوع الشهرستاني في ذلك:

(لعله كان يبدو من ذلك على طريق الجدل، أو كان قلبه أُشرب محبة مقالتهم لكثرة نظره فيها، والله أعلم) [18]. -

إذن فإلحاح الشهرستاني وإمعانه في مناظرة الإسماعيلية، وكثرة جداله معهم، ربما كان سبباً في رميه بالباطنية لتأثره بتلك المناظرات، وقد صرح الشهرستاني بكثرة مناظراته للإسماعيلية، فقال: (وكم قد ناظرت القوم على المقدمات المذكورة، فلم يتخطوا عن قولهم: أفنحتاج إليك؟ أو نسمع هذا منك؟ أو نتعلم عنك؟) [19].

وعلى كل فلا تزال هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من التوثيق والبحث، ولعل الاطلاع على الكتب الخطية للشهرستاني يعطي مزيداً من المعلومات حول هذه المسألة.

وفي ختام الحديث عن شخصية الشهرستاني: لابد من الإشارة إلى ميل الشهرستاني إلى التشيع، وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا بقوله: (وبالجملة

فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة إما بباطنه، وإما مداهنة لهم، فإن هذا الكتاب -كتاب (الملل والنحل) -صنفه لرئيس من رؤسائهم، وكانت له ولاية ديوانية،

وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له، وكذلك صنف له كتاب

(المصارعة) [20]).

وهذا الأمير الشيعي الذي من أجله ألف الشهرستاني كتابيه: (الملل والنحل)، و (المصارعة) هو علي بن جعفر الموسوي، وكان أميراً في خراسان [21].

وقد صرح الشهرستاني بذلك، فقال في مقدمة كتابه (مصارعة الفلاسفة) -بعد إطراء ومدح طويل لهذا الأمير الشيعي -: (انتدب أصغر خدمه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، لعرض بضاعته المزجاة على سوق كرمه، فخدمه بكتاب صنفه في بيان الملل والنحل، على تردد القلب بين الوجل والخجل، فأنعم بالقبول، وأنعم النظر فيه) [22].

ويظهر تشيع الشهرستاني عندما يقول: (وبالجملة كان على -رضي الله عنه- مع الحق، والحق معه) [23]، وقد علق شيخ الإسلام على هذه العبارة ..

فكان مما قاله:

(هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم،

وهذا التخصيص لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة) [24].

وقد كذَّب شيخُ الإسلام الشهرستانيَّ في بعض آرائه التي تدل على تشيعه،

وناقشها وبسط القول فيها، فكذبه ابن تيميه مثلاً في دعواه أن عمر -رضي الله عنه-في خلافته ردَّ السبايا والأموال لمانعي الزكاة [25]، كما كذبه دعواه اختلاف الناس على خلافة عثمان -رضي الله عنه-[26].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير