ومنع المقرض من قبول هدية المقترض، ما لم يكن بينهما عادة جارية بذلك قبل القرض. ففي سنن ابن ماجه عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي. قال: سألت أنس بن مالك: الرجل منا يقرض أخاه المال، فيهدي إليه؟ فقال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:" إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدى إليه، أو حمله على الدابة فلا يركبنها، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك ".
وروى البخاري في تاريخه عن يزيد بن أبي يحيى الهنائي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: " إذا أقرض أحدكم فلا يأخذ هدية ".
وفي صحيح البخاري عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قدمت المدينة فلقيت عبدالله ابن سلام فقال لي: إنك بأرض الربا فيها فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربا.
وروى سعيد بن منصورفي سننه هذا المعنى عن أبي بن كعب.
وجاء عن ابن مسعود، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمرو، ونحوه.
وكل ذلك سدا لذريعة أخذ الزيادة في القرض، الذي موجبه رد المثل.
ونهى عن بيع الكالىء بالكالىء، وهو الدين المؤخر بالدين المؤخر، لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة، فلو كان الدينان حالين، لم يمتنع، لأنهما يسقطان جميما من ذمتيهما، وفي الصورة المنهى عنه: ذريعة إلى تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تأجيله. وهذه مفسدة ربا النساء بعينها.
ونهى الله سبحانه النساء أن " يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " فلما كان الضرب بالرجل ذريعة إلى ظهور صوت الخلخال، الذي هو ذريعة إلى ميل الرجال إليهن نهاهن عنه.
وأمر الله سبحانه الرجال بغض أبصارهم، لما كان النظر ذريعة إلى الميل والمحبة التي هي ذريعة إلى مواقعة المحظور.
وحرم التجارة في الخمر، وإن كان إنما يبيعها من كافر يستحل شربها، فإن التجارة فيها ذريعة إلى اقتنائها وشربها، ولهذا لما نزلت الآيات في تحريم الربا قرأها عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقرن بها تحريم التجارة في الخمر، فإن الربا ذريعة إلى إفساد الأموال. والخمر ذريعة إلى إفساد العقول. فجمع بين تحريم التجارة في هذا وهذا.
ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، لئلا يتخذ ذريعة إلى الزيادة في الصوم الواجب، كما فعل أهل الكتاب.
ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة. لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة. فإنه إذا أشبه الهدى الهدى أشبه القلب القلب. وقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: " خالف هدينا هدى الكقار" وفي المسند مرفوعا: " من تشبه بقوم فهو منهم ".
وحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، لكونه ذريعة إلى قطيعة الرحم. وبهذه العلة بعينها علل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم.
وأمر بالتسوية بين الأولاد في العطية، وأخبرأن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح، ولا تنبغي الشهادة عليه. وأمر فاعله برده، ووعظه وأمره بتقوى الله تعالى، وأمره بالعدل، لكون ذلك ذريعة ظاهرة قريبة جدا إلى وقوع العداوة بين الأولاد وقطيعة الرحم بينهم، كما هو المشاهد عيانا. فلو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بالمنع منه، لكان القياس وأصول الشريعة، وما تضمنته من المصالح ودرء المفاسد يقتضي تحريمه.
ومنع من نكاح الأمة، لكونه ذريعة ظاهرة إلى استرقاق ولده. ثم جوز وطأها بملك اليمين، لزوال هذه المفسدة.
ومنع من تجاوز أربع زوجات، لكونه ذريعة ظاهرة إلى الجور، وعدم العدل بينهن، وقصر الرجال على الأربع، فسحة لهم في التخلص من الزنا، وإن وقع منهم بعض الجور فاحتماله أقل مفسدة من مفسدة الزنا.
ومنع من عقد النكاح فى حال العدة وحال الإحرام، وإن تأخر الدخول إلى ما بعد انقضائها، وحصول الحل. لكون العقد ذريعة إلى الوطء، والنفوس لا تصبر غالبا مع قوة الداعي.))
(إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان > فصل في تحريم الشريعة للذرائع)