”دروسٌ في علم المختصرات” [الدرس الأوّل]
ـ[عبدالله الشمراني]ــــــــ[31 - 05 - 03, 11:25 م]ـ
”دروسٌ في علم المختصرات”
[الدرس الأوّل]:
(الضابط في مقابلة ”المختَصَر” على ”الأصل” عند التحقيق)]
كثيرًا ما نسمع نقاشًا بين طلبة العلم، وبعض المحقِّقين حول موضوع مراجعة ”الأصل”، والاستفادة منه، عند تحقيق ”المختَصَر”، أو العكس، وقد حدث لي ذلك فعليًّا، وجربت الأمرَ بنفسي، فخرجتُ بهذا الضابط الذي أسأل الله ـ تعالى ـ أن ينفع به؛ فأقول وبالله التوفيق:
لا يخلو ”المختصَر” من حالتين:
الحالة الأولى:
أنْ لا يغيّر المختَصِر من ”الأصلِ” شيئًا، وإنما حذفَ ما تكرَّر من الأدلة، وحذف (أو اختَصَر) بعضَ النقول المطوّلة، والاستطرادات التي قد تخرج عن موضوع الكتاب، واكتفى بذلك دون تعليق، أو زيادة.
ويُعرف هذا إما بالتصريح من المصنف (المختَصِر)، أو بمراجعة الكتابَيْن.
ويدخل ضمن هذا النوع: مختصرات: الكتب الستة، ومختصرات بعض الكتب المهمة؛ كـ: ”رياض الصالحين” للنووي، و ”الترغيب والترهيب” للمنذري.
ويدخل أيضًا: الكتب التي تجمع بين الكتب، بعد حذف السند، وحذف ما تكرر من المتن.
ويدخل أيضًا: الأجزاء، والأقسام المستلّة من بعض الكتب الكبيرة، وإفرادها كاملة، أو مختصرة بدون زيادة ولا نقص.
والضابط في هذه الحالة: أنْ يحذف المختَصِر من ”الأصل” المكرَّرَ، وما يرى أنَّه لا فائدة منه في ”المختَصَر”، ولا يزد عليه شيئًا، تعقيبًا، أو تعليقًا، موافِقًا، أو مخالِفًا.
* هذا كله إنْ كان المختَصِر أبقى ما تبقّي من ”الأصل”، كما هو، ولم يزد عليه، ولم يعلَّق بشي.
أما إنْ علَّق عليه بشيءٍ فيه موافقة، أو مخالفة لما في ”الأصل”، أو زيادة فائدة، فهنا الأمر يختلف.
ويدخل في هذا الباب: مختصرات الذهبي؛ كـ: ”تلخيص المستدرك”، و ”تلخيص: (العلل المتناهية) ”، و ”تلخيص: (الموضوعات) ”، و ”تهذيب التهذيب” للحافظ، فإنَّها تُعد كتبًا علميَّة، تُقتنى، ويُنظر فيها، ويُستفاد منها.
[وضع ”المختصرات” التي تندرج تحت الحالة الأولى]:
(1) يعتبر ”المختَصَرُ” نسخة مصغَّرة من ”الأصل”.
(2) يمكن للمحقِّق مراجعة ”الأصل”، والاستفادة منه عند تحقيق ”المختَصَر”، ويمكن له ـ أيضًا ـ مراجعة ”المختَصَر”، والاستفادة منه عند تحقيق ”الأصل”.
(3) إنَّ ”المختَصَر” الذي يكون على هذه الحالة؛ فإنَّه يكون عديم الفائدة العلميَّة، عند وجود ”الأصل” [بصورة صحيحة]. وأرجوا أنْ تفهموا قولي (عديم الفائدة العلمية)، وألا يؤخذ منها تنقص المختَصِر، فقد يكون اختصر الكتاب له للاستذكار، حال الطلب.
(4) يُسْتَفَاد من ”مختصرات” هذه الحالة في تعليم صغار الطلبة، ولمن تقصر همتهم عن مراجعة الأصول؛ ومن ذلك: ”التجريد الصريح لأحاديث (الجامع الصحيح) ” للزبيدي، و ”تلخيص مسلم” للقرطبي، ومختصر ”الترغيب والترهيب” للحافظ ...
الحالة الثانية: أنْ يُغيّر المختَصِر من ”الأصل”، ويتصرف ففي بتقديمٍ، وتأخير، وزيادة، ونقص، فيخرج كتابه، بثوبٍ جديد، وفي بعض أبوابه، وفصوله أحاكمٌ جديدة، مخالفة لما في ”الأصل”.
ومن ذلك كتاب ”المقنع” في فقه الإمام أحمد لا بن قدامة، ومختصره ”زاد المستقنع”.
فالذي يقارن بين الكتابَيْن، يجد الفرق بينهما جليًّا، مع أنَّ الحجاوي ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ صرَّح في المقدمة بأنَّ كتابه هذا مختصرٌ من ”المقنع”.
[وضع ”المختَصَرات” التي تندرج تحت الحالة الثانية]:
بالنظر إلى وضع ”المختصرات” التي تندرج تحت الحالة الأولى، يمكننا التوصل إلى وضع ”مختَصَرات” هذه الحالة:
(1) لا يعتبر ”المختَصَرُ” نسخة مصغَّرة من ”الأصل”، بل هو كتابٌ جديد، لمصنفٍ جديد، وكلُّ ما في ”المختَصَر” من أحكام، لا يمكن نسبتها إلى مصنف ”الأصل”.
(2) لا يمكن للمحقِّق مراجعة ”الأصل”، والاستفادة منه عند تحقيق ”المختَصَر”، ولا يمكن له ـ أيضًا ـ مراجعة ”المختَصَر”، والاستفادة منه عند تحقيق ”الأصل” (في المقابلة)، إلا في حدودٍ ضيقة جدًا، ويجب عليه أنْ يكون حذرًا أثناء هذه الاستفادة، لأنَّه يقابل بين كتابَيْن مختلفَيْن، وإنْ كان أحدهما ”أصلاً” للثاني، والثاني ”مختصرًا” من الأوّل.
(3) إنَّ ”المختَصَر” الذي يكون على هذه الحالة؛ لا يكون عديم الفائدة العلميَّة، عند وجود ”الأصل”، بل هو كتاب آخر له اعتباره العلمي.
[تنبيهات]:
(1) كتاب ”مجمع الزوائد” للهيثمي يدخل ضمن الحالة الأولى، فهو جمع بين الكتب، بعد حذف السند، ولكن الاحتياج له باقي؛ لأمرين:
الأمر الأوّل: ضياع بعض ”الأصول” التي اعتمدها في جمعه، وما وُجِد منها فقد وجِد متأخرًا.
الأمر الثاني: أحكامه على الأسانيد والرجال، وهي مهمة، وإنْ خُولف فيها، ولكنها تبقى من العلم الذي يُنْتَفع به.
ويقال في ”المطالب العالية” للحافظ، و ”إتحاف الخيرة المهرة” للبوصيري مثل ما قيل في ”مجمع الزوائد”.
(2) بعض كتب ”الجمع بين الصحيحين” تدخل ضمن الحالة الأولى، ولكنها مهمة [للمتخصِّصين]؛ لاعتماد مؤلفيها على روايات الصحيح، وإدخال بعض الألفاظ المستفادة من بعض الروايات، أو بعض ”المستخرجات”، فخرجت بذلك زيادات لا توجد في أصل ”الصحيحين”؛ ومنها ”الجمع بين الصحيحين” للحميدي، وإن انتقد بعض أهل العلم صنيع الحميدي هذا، إلا أنَّ عمله فيه فوائد في الألفاظ والمعاني، لا توجد في ”الصحيحين”.
(3) مختصرات المعاصرين للكتب العلميَّة لا تدخل في كلامي لا من بعيد ولا من قريب، والمَعْنِي بذلك هي مختصرات السلف المتأخرين، لكتب السلف المتقدمين، والكلام هنا في جدوى مقابلة ”المختَصَر” على ”الأصل” عند تحقيق المخطوط، فخرجت بذلك مختصرات المعاصرين.
[وإلى لقاءٍ قريب ـ إن شاء الله ـ في الحلقة الثانية، وهي عن غوائل الاختصار].