”دروسٌ في علم المختصرات” ـ الدرس الثاني
ـ[عبدالله الشمراني]ــــــــ[05 - 06 - 03, 11:49 م]ـ
”دروسٌ في علم المختصرات” ـ المختصرات الفقهية نموذجًا
[الدرس الثاني]
(مَآخِذُ الْمُخْتَصَرَاتِ)
يمكن أن نطلق على هذا الدرس: ” غوائل الاختصار”، وقد اتخذت الكلام على ”المختصرات الْفِقْهِيَّةِ” نموذجًا، ويمكن أن نستفيد منه مآخذ المختصرات عمومًا.
ومعلومٌ أنَّ للمختصرات الفقهيَّة ـ على أهميتها ـ مآخذ عدة؛ منها:
(1) إهمال النَّاس للأصول، وعزوف الناس عنها إلى المختصرات.
(2) ساعدت على الجمود الفكري الذي بلَّد الأذهان.
(3) انعدام الدليل على المسائل غالبًا، والتعليل أحيانًا.
وفي النَّظر إلى الأحاديث، والآثار، والأسانيد، لذةٌ لا تخفى؛ ولذلك نجد بعض المتقدمين يذكرون بعض الأحاديث، والآثار في المسألة، ولو كانت ضعيفة (ضعفًا يسيرًا)، أو مرسلة، مع علمهم بعلتها، ولكنها ـ عندهم ـ أولى من ترك المسألة مجردة.
والمُخْتَصِر يستطيع الإتيان بالدليل، ولكن عذره أنَّ في ذكر الأدلة خروجًا عن الاختصار.
(4) ركاكةُ الأسلوب، وضعف الصياغة، والإخلال بالبلاغة؛ وهذا ظاهر.
(5) دقةُ عباراتِها، والغموضُ في بعضِ جملِها، حتى إنَّ بعضها كادت تكون كالألغاز.
قال الشيخ الحطَّاب ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: ”مواهب الجليل” (1/ 5) بعد ثنائه على ”مختصر خليل”:
(إلا أنَّه لفرط الإيجاز، كاد يُعَد من جملةِ الألغاز) أ. هـ.
وقال العلامة ابن عابدين ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: ”ردّ المحتار” (1/ 3)، على: ”الدر المختار شرح: (تنوير الأبصار) ”؛ للشيخ: محمد بن علي الحَصْكَفي ت (1088هـ):
(حوى من الفروع المنقَّحَة، والمسائل المصحَّحة، ما لم يحوه غيره من كِبارِ الأسفار ... بيد أنَّه لصغرِ حجْمِه، ووفورِ علمِهِ، قد بلغ في الإيجازِ، إلى حدِّ الألغاز) أ. هـ
وقال حاجي خليفة في: ”كشف الظنون” (2/ 1853)، عن: ”مختصر ابن الحاجب”:
(وهو مختصرٌ غريبٌ في صنعِهِ، بديعٌ في فنِّهِ، لغاية إيجازهِ؛ يضاهي الألغازَ) أ. هـ
وقال في: ”كشف الظنون” (2/ 1600)، عن: ”مجمع البحرين وملتقى النيرين” للسَّاعاتي:
(رتبّه فأحسن ترتيبه، وأبدع في اختصاره ... وهو كتابٌ حفظهُ سهلٌ؛ لنهاية إيجازه، وحلُّهُ صعبٌ؛ لغاية إعجازه) أ. هـ
وعبَّر أبو القاسم اللورقي ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ ت (661هـ) في: ”المباحث الكامليَّة” (1/ 1)، عن مبلغ اختصار: ”المقدمة الجَزُوليَّة” في النحو؛ بقوله:
(لا ينكشفُ لكلِّ أحدٍ معناها، ولا يدرك إلا بعد التأمل مغزاها، فربمَّا قرأها الشادي فلم يَحْلَ منها بقرةِ عينٍ، أو حفظها المبتدئ فرجعَ عنهما بخفي حنين، وهذا مِمَّا يُنَفِّر الطباعَ منها، ويصرفُ القلوبَ عنها، مع أنَّها صدفةٌ احتوت على نكتٍ أنفسَ من الجواهر) أ. هـ
قلت: لذا احتاجت المختصرات إلى حلِّ عباراتها، وتوضيح مشكلاتها، فنشأ نوعٌ جديد من التأليف؛ وهو: ”الشروح”، و ”الحواشي”، وترتب على هذا جهدٌ ووقتٌ، يعرفه من رأى كثرة كتب ”الشروح”، و ”الحواشي”.
ومن قرأ في كتب ”الشروح”، و ”الحواشي” رأى أنَّ أكثرها يحلُّ ألفاظَ ”المختصراتِ” بكلامِ المتأخرين، ويشغلون أنفسهم بإيراد احتمالاتٍ بعيدة، وإشكالاتٍ عديدة مع أجوبتها، والتعويل على أقوال الفقهاء المتأخرين مع التخريج، والقياس عليه، والاستنباط منه، مع طرح الأدلة الشرعيّة إلا في مواضعَ يسيرة جدًا.
(6) صعوبة فهم الإحالات، وبعدها عن المراد واقعًا وذهنًا. فتجد المُخْتَصِر يقرِّر الحكم، ثم يعطف عليه كثيرًا.
وهذه المآخذ يلحظها من يقرأ في المختصرات الفقهيَّة، ولا سيما التي كُتِبت في العصور المتأخرة.
(7) احتواءُ بعضِ المختصراتِ على مُطْلقاتٍ مقيَّدةٍ في غيرها، وعموماتٍ مخصَّصة في غيرها.
وهذا مزلقٌ خطير لمن أفتى من ”المختصرات”، دون علمٍ بهذه المطلقات، والعمومات.
(8) كما أنَّ بعضَها فيه من الاختصارِ المخلِّ الذي لا يُفْهَم معناه إلى بعد الاطِّلاع على كتب ”الشروح”، و ”الحواشي”.
وهذه بعض نصوص العلماء في هذه المآخذ:
ومن أهمها قول العلامة المؤرِّخ: ابن خلدون الحضرمي ت (808هـ) في: ”المقدمة” (ص 1028 ـ 1029)؛ [الباب السادس: في العلوم وأصنافها، والتعليم وطرقه، وسائر وجوهه ... ]، وسأذكر كلامه بطولِهِ؛ لأهميّته؛ حيث قال:
(الفصل السادس والثَّلاثون:
¥