تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سياسة العلم ـ فنٌّ حسنٌ

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[06 - 06 - 03, 04:06 ص]ـ

سياسة العلم

هذا فنٌّ من أفانين العلمِ بديع، فما أجلَّ العالم حينَ يتحلّى بحسن السياسةِ لما حفظه ووعاه، فيقدم حين يحسن الإقدام، ويحجم حين يستدعي المقامُ الإحجام ...

خصوصاً في هذا العصر الذي قلتُ فيه محرّفاً البيت الشهير:

وما نيل (الفتاوى) بالتمني .............. ولكن تؤخذ (الفتوى) غلابا

وإنما الفقه فقه النفس والملكة، لا كثرة المروي وإن كانَ حسناً، فإن الرواية لونٌ، والفقه لونٌ آخر، إذ يكفي في الراوي العدالة وحسنُ الضبط، لأن المطلوب منه أن يؤدي على نحو ما يسمع، أما الفقه والدراية فهي الغاية. ولا بدَّ لطالب العلم من التمرذُس في هذا الفنّ، فإنّ فئاماً من أجيال المتعلمين، اجتهدوا ولغبوا في تحصيل العلوم، ولم يبلغوا درجة التفقه في النصوص.

ولستُ أقصدُ بهذا أن يتقن استلال الفروع من الأصول، فهذا مما لا يستغني عنه متفقه، وهو سهلٌ قريبٌ، وقد قال ابن تيمية (لا بد للمفتي أن يكون ممن يضع الحوادث على القواعد، وينزلها عليها) اهـ[الاستقامة (1/ 11]

وإنما الذي عنيته أن يضيفَ إلى هذا مراعاة المقادير والنِّسب؛ بين المصالح والمفاسد، والأصول الكلية والقواعد الشرعية، فإن هذه الدرجة من أصعب ما يكون على المتشرِّعين، خصوصاً إذا عرَضت الأهواء الطامحة، والرغائب الجامحة، وما منّا إلا، ولكن يذهبه الله بحسن اللجأ إليه، والتضرُّع بين يديه، بأن يجعل هواه تبعاً لدينه، ثم يتحصَّن بحسن الصبر، فإن العجلة في إصدار الحكم مهلكة، فقد كانوا يراجعون قبل أن يتكلموا، وقد قال ابن تيمية مرةً في جواب له: " وحين كتبت هذا الجواب لم يكن عندي من الكتب ما يستعان به على الجواب فان له موارد واسعة " الزهد والورع [1/ 192]

وحين يتوفَّرُ طالب العلم على هذه المنزلة المنيفة، لا يضرُّه أن يأخذَ بأي قول ظهرت له صحته، ولو خالفه أهل الأرض، وربما كان الفقه أن يسكت عن التحديث والفتيا، كما قال ابن تيمية (العالمُ تارةً يأمرُ، وتارةً ينهي، وتارةً يبيح، وتارةً يسكتُ عن الأمر أو النهي أو الاباحة، كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح كما تقدم بحسب الامكان، فأما اذا كان [الشخص] المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن، إما لجهله واما لظلمه، ولا يمكن ازالة جهله وظلمه، فربما كان الأصلح الكف والامساك عن أمره ونهيه، كما قيل: (إن من المسائلِ مسائلُ جوابها السكوتُ) كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء، حتى علا الاسلام وظهر، فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء الى وقت التمكن،كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام الى وقت تمكن ... ) الخ ..

ولا يخفى أن كتمان بعض العلم إذا ترتب على إظهاره مفسدة، مخالفٌ لأصل البلاغ والبيان، ولا يعدل عن الأصل إلا لمصحة، وهو ما أشرت إليه من (سياسة العلم) المأمور بها.

وإلاّ فإن الأصل ما جاء في حديث عبادة بن الصامت وغيره: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول بالحق حيث كنا , ولا نخاف في الله لومة لائم " الحديث بمعناه ..

قال ابن القيم: " ونحن نشهد بالله أنهم وفوا بهذه البيعة , وقالوا بالحق , وصدعوا به , ولم تأخذهم في الله لومة لائم , ولم يكتموا شيئا منه مخافة سوط ولا عصا ولا أمير ولا والٍ كما هو معلوم لمن تأمله من هديهم وسيرتهم ...

فقد أنكر أبو سعيد على مروان , وهو أمير على المدينة ....

وأنكر عبادة بن الصامت على معاوية , وهو خليفة .....

وأنكر ابن عمر على الحجاج مع سطوته وبأسه ....

وأنكر على عمرو بن سعيد , وهو أمير على المدينة ....

وهذا كثير جدا من إنكارهم على الأمراء والولاة إذا خرجوا عن العدل،لم يخافوا سوطهم ولا عقوبتهم , ومن بعدهم لم تكن لهم هذه المنزلة , بل كانوا يتركون كثيرا من الحق خوفا من ولاة الظلم وأمراء الجور " اهـ من إعلام الموقعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير