[فاعتبروا يا أولي الأبصار]
ـ[ماجد]ــــــــ[11 - 06 - 03, 12:15 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد خلفت الحرب على العراق دماراً وأطلالاً وجراحاً، والواجب علينا يزداد كلما ازدادت تلك الآثار، وأول هذا الواجب، هو الوقوف على تلك الحال، واستلهام الدروس منها، ومعرفة الأسباب التي أدت إليها، حتى لاتتكرر الصورة في المجتمعات الإسلامية.
وهذه بعض الوقفات والدروس والعبر من تلك الحرب، نسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارءها، فالسعيد من وعظ بغيره، والشقي من كان عظة لغيره.
وأول هذه الدروس: تبين من خلال هذه الحرب أن عيون الأعداء والداعين لهم الساعين لإسقاط الأنظمة القائمة، والمتعاونين معهم في ذلك، جملتهم من أهل الأهواء كالشيعة، والطرقية من الصوفية، والمستغربين العلمانيين، فالخوئي من علماء الشيعة الكبار، ولم تعد خافية عمالته لبريطانيا، وعبدالعزيز الحكيم –أخو باقر الحكيم الزعيم الرافضي- قد أعلن اتصاله بالغرب ولاسيما أمريكا، وجاءت الأنباء بتقديمه أوراقاً استخباراتية لها، كما أن أغلب الأكراد التركمان الذين اتصلوا بالغرب صوفية، وقادتهم مسعود البرزاني، وجلال الطالباني من العلمانيين، وكذلك أحمد الجلبي علماني معروف بتعاونه مع أمريكا.
وبالمقابل على الرغم من اصطلاء أهل السنة وخاصة علماؤهم بجور النظام السابق، لم نجد أحداً منهم تعاون مع الغزاة المحتلين، أو شمت بسقوط النظام السابق.
بل هب أهل السنة من البلدان المجاورة لمناصرة المسلمين في العراق، ولم نر ذلك من الرافضة والصوفية والمستغربين.
ثانياً: إن رابط العقيدة والدين هو أقوى الروابط، وهو أعظم قوة تجمع الناس لرفض العدوان، والدفاع عن الأوطان، بل تدفع المسلمين أياً كانت أوطانهم للدفاع عن إخوانهم أين كانوا.
وبالمقابل إذا كان ما يربط الناس ببعضهم؛ مصالح شخصية، ومذاهب دنيوية، فإن هذا الترابط سرعان ما يزول ويحول، فبمجرد انتهاء تلك المصالح أو ضعفها، أو وجود بديل لها، أو خشية ضرر أكبر منها، تتقطع الأسباب، ويبدو العداء، وهذا ما حصل في العراق، فدل بعض المقربين من النظام، على عورات النظام، واختفى ذووا المصالح وتركوا البلاد، بينما ظل الشعب وقادته المضطرون للبقاء يدافعون، وحتى هؤلاء خذلهم من كان فيهم، ممن كانوا يعولون عليه، فجاءت الأنباء بخيانة الحرس الجمهوري، وجماعات من فدائيي صدام، وهذا يبين خطورة تولية الجيوش، والمؤسسات العسكرية وغيرها لمن لاخلاق لهم، ممن يبيعون دينهم وبلدانهم بعرض من الدنيا قليل.
ثالثاً: استغل الدهماء ومن ضعف عنده وازع الدين وضع غياب الأمن، فسرقوا ونهبوا وأفسدوا ودمروا، بينما وقف الصالحون ينهون عن الفساد، وانطلقت الدعوات من المساجد –لا من المسارح والملاعب- لحفظ الأمن، والكف عن السرقة والنهب والسلب والتخريب.
رابعاً: أثبت الحدث أن القوة وحدها لاتكفي للوقوف أمام الأعداء، ولاتكفل بقاء الأنظمة، فقوة العراق العسكرية لايستهان بها، ولكن لابد من تقوية العلاقة بالداخل، فهي أهم من العلاقة بالخارج، فالدول العربية لم تفلح في الدفاع عن العراق، مع أنها ترى أن الحرب عليه حرب عدوانية، وهذا يظهر عجز القومية العربية وفشلها. أما الداخل فهو الذي يعول عليه في الدفاع عن الأرض، فإذا كره الشعب مسؤوليه بسبب إساءتهم له واستبدادهم بأمره، وتغطرسهم عليه، أو استئثارهم بخيراته، وإطلاق أيدي المقربين من النظام فيها، أو ضعفت العلاقة بين الحاكم والمحكومين ولم تقم على أساس الدين، بل كانت العلاقة بينهما علاقة مواجهة وقمع وتحد، فمن الطبيعي أن لايهب الشعب لنصرة النظام، بل ربما تشفى برموزه -وكل ما يمت إليه بصلة - بعد سقوطه.
وأخص من تجب تقوية الصلات وتوثيقها بهم هم أهل العلم والفضل، فإن مجالات تأثير المصلحين عريضة، فعند احتقارهم أو التضييق عليهم وطردهم، سيفقدهم من كان في أمس الحاجة إليهم.
خامساً: إن النصر حليف المؤمنين إذا صدقوا في إيمانهم وتعاملهم مع ربهم، كما قال سبحانه: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)، وفي حرب الشيشان ضد الروس أكبر عظة وعبرة، وبالمقابل أثبتت الأحداث أن بداية سقوط الأنظمة هو سقوطها من عين الله سبحانه، ويتبع ذلك هوانها في أعين الناس، وهو ما يطمع الأعداء فيها، وإذا خذل الله قوماً فمن ينصرهم من بعده.
سادساً: الضرر الكبير لخور الحاكم وضعفه أمام العدو الأجنبي، وظهور الأثر السلبي للتنازلات، على حساب الدين وسيادة البلاد، مع عدم جدواها، مهما كبرت.
سابعاً: ضرر الركون للغرب أو للشرق، أو حسن الظن بهم، أو التعويل عليهم في اتخاذ موقف حاسم يمنع من يلوذ بهم، فالغرب يسير مع مصالحه، متى تغيرت تغيرت مواقفه، فلا عجب أن يصبح صديق الأمس عدو اليوم، أو أن يسلب الأمان من أعطاه، وقد علمت عداوة اليهود والنصارى لمن ينتسب لهذا الدين، وهذا يستوجب إعداد العدة وأخذ الحيطة، وعدم الثقة بهم، وقد تبين أن من وُثق بهم ممن جاءوا يمثلون دروعاً بشرية، تبين أنهم عملاء للدول الغربية، كان لهم دور في خيانات القادة العسكريين، ويتبع هذا التحذير من أذناب الغربيين من بعض الفرق والقوميات، والتحذير من السفارات الغربية التي لعبت دوراً مشبوهاً في تجنيدهم والاتصال بهم.
ثامناً: خطورة جنون العظمة على الحاكم، أو إعطائه نفسه أكبر من حجمها، فإذا جهل الحاكم نفسه، كان من باب أولى أن يجهل قوة خصمه أو أن يسيء تقديرها، وربما قاده ذلك الإعجاب والغرور، لاستعداء دول الجوار بإساءته لها لرؤيته أنه فوقها.
أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يرزقنا البصيرة والفقه في الدين، وأن يجعلني وإياكم من المعتبرين، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وألئك هم ألوا الألباب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
7/ 4/1424