ومن هذا القبيل أيضاً قول ابن عثيمين رحمه الله وهو يحاول نفي إحاطة الجهة بالله تعالى فيقول: ( .. وليست جهةَ علوٍ تحيط به لأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض وهو موضع قدميه فكيف يحيط به تعالى مخلوق من مخلوقاته)! ([13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn13)) فلو كانت القدمان صفتين لا جارحتين فهل تقارن بالحجم مع الكرسي! وما يمتنع إحاطة المخلوقات به لأن موضع قدميه يسع السموات والأرض كيف لا يكون حجمياً أيضاً وكل هذه المقارنة مقارنة حجمية؟
أما أهل السنة فقد أعاذهم الله من مثل هذا الاضطراب ففهموا من خبر ابن عباس بروايته الأولى أنه تفسير لغوي للفظ الكرسي لا علاقة له بأخبار الصفات البتة ولم يخلطوا فيه ما خلطه الرواة في ألفاظه. قال ابن عطية: (يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين من أسرة الملوك فهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه كنسبة الكرسي إلى سرير الملك) ([14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn14))
وقال السيوطي: (ويوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك في الآية قال كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم) ([15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn15))
وهذا هو الذي يتعين المصير إليه لأن إضافة القدمين في الخبر تقتضي التجسيم، ولن ينجي من ذلك عدُّ القدمين من الصفات، لأن الصفات لا يكون لها موضع توضع فيه. وأخيراً كيف يجيب من جعل الكرسيَ موضعاً لقدميه عن العرش هل هو موضع أيضاً؟ فإن كان موضعاً لشي غير القدمين فما هو؟ وإن لم تكن ذات الباري سبحانه قابلة للموضع فكيف كانت القدمان قابلة لذلك؟
ومما استدلوا به أيضاً خبر عن وهب بن منبه:
أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن وهب بن منبه (أنه ذكر من عظمة الله عز وجل فقال إن
السموات السبع لفي الهيكل ([16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn16)) وإن الهيكل لفي الكرسي، وإن قدميه لعلى الكرسي، وهو يحمل الكرسي، وقد عاد الكرسي كالنعل في قدميه) ([17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn17))
وقد اختلفت مواقف القوم من هذا الخبر فقد خرجه عبد الله والخلال في السنة. واستشهد به ابن تيمية من غير إنكار ولا تنبيه على ما فيه. ([18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn18)) وذكره الحافظ الذهبي في العلو وتحايد الكلام على ما فيه من وصف الله عز وجل إلى ما فيه من وصف الهيكل والبحر فقال: (كان وهب من أوعية العلوم لكنْ جُلُّ عِلمه عن أخبار الأمم السالفة، كان عنده كتب كثيرة إسرائيلياتٌ كان ينقل منها، لعله أوسع دائرة من كعب الأحبار. وهذا الذي وصفه من الهيكل وأن الأرضين السبع يتخللها البحر وغير ذلك فيه نظر والله أعلم فلا نرده ولا نتخذه دليلاً) ([19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn19)). ونقل محقق العظمة رضا الله المباركفوري نفس كلام الذهبي في موقفه من هذا الخبر. ([20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20))
أما محقق كتاب السنة فعمم هذا الموقف على جملة ما في الخبر فقال: (وكلام وهب من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب والله أعلم) ([21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn21))
وكل هذه المواقف مواقف باردة، فيها نظرٌ من وجوه
الأول: أنه يتعين على من حكى هذا الخبر أن ينبه إلى ما فيه ولا يسعه أن لا يصدق ولا يكذب لأنه ينقل ما زعم أنه ذِكرٌ لعظمة الرب وقد اتفق القوم عند الكلام على ما جاء في خبر الحبر الذي ذكر الأصابع أنه لو كان باطلاً لتعين على الرسول صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه. فإما أن يكون هذا الخبر فيه باطل لا يليق بالله عز وجل فيتعين الإنكار أيضاً ولا يكتفى بعدم التصديق والتكذيب. وإما أن يكون السكوت دليلاً على عدم التصديق والتكذيب معاً فيبطل ما ذكروه في كلام الحبر وأن النبي صلى الله عليه وسلم صدَّق الحبر. أما أن يكون في كل خبر منهجٌ مادام يوصل إلى الإثبات فهذا ليس من الرزانة العلمية في شيء.
الثاني: هب أنه لا يجب التكذيب ولا التصديق فهذا ما لم يفعله من خرجه في السنة كما فعل
عبد الله والخلال، ولا من استشهد به في كتب العقيدة كما فعل ابن تيمية والحافظ الذهبي. فأين تركُ التصديق والتكذيب من الاحتجاج به في كتب السنة والاستشهاد به في مسائل العقيدة؟ وأين ذلك من تصريح الذهبي بأن ما جاء به وهب من وصف الهيكل هو الذي لا يصدق ولا يكذب؟
¥