فأنشأ الله حماةَ الدينِ ... مميزين الغثَ من سمينِ
قد أيَّد الله بهم أعصارا ... ونوَّروا البلادَ والأمصارا
وحرسوا الأرضَ كأملاك السما ... أكرم بفرسانٍ يجولون الحِمَى
وقال سفيانُ الملائكة قدْ ... حرستْ السماءَ عن طاغٍ مردْ
وحرس الأرضَ رواة الخَبَرِ ... عن كل من لكيدِ شرعٍ يفترى
وابنُ زريعٍ قال قولاً يعتبرْ ... لكل دينٍ جاء فرسان غررْ
ولعلى إن أذن الله لى أن أذكر عشارية من تعليقات الحافظ ابن الجوزى على المتون الموضوعة والباطلة، الزائدة على حكمه على السند، والمنبئة عن تدبر معاني المتون على جهة الاستنكار، والمبالغة فى إبطالها، ودحض الشبهات التى ربما وقعت عند سماعها. فلو كان اللوم واجباً لمن تدبر معانى المتون المنكرة والباطلة، وأحالها عن غايات ملفقيها وواضعيها ومقاصدهم، لكان لابن الجوزى النصيب الأوفى منه، بل والتوبيخ لفعله وتشنيعه، وذلك لما أُثر عنه من عظيم استنكاره، وبالغ إعماله فى إبطال غايات الواضعين والواهمين، كمثل قوله تعليقا على الحديث الموضوع ((إن الله عزوجل لا يغضب، فإذا غضب تسلحت الملائكة لغضبه، فإذا اطَّلع إلى أهل الأرض، ونظر إلى الولدان يقرأون القرآن، امتلأ ربنا رضى)).
قال أبو الفرج: ((هذا حديث لا يصح وألفاظه منكرة، ويجب أن يُعتقد أن الله تعالى لا يتأثر بشئ، ولا تحدث له صفة، ولا يتجدد له حال، فلا وجه لتسلح الملائكة، كأنهم يريدون الخصومة، ولقد أدخل جماعة من الزنادقة في أحاديث الصفات أشياء يقصدون بها عيب الاسلام، وإدخال الشك في قلوب المؤمنين)).
وكقوله تعليقاً على الحديث الموضوع ((إن عيسى بن مريم لما أسلمته أمه مريم إلى الكتاب، ليعلمه المعلم، قال له المعلم: اكتب بسم، فقال له عيسى: ما بسم؟، قال المعلم: لا أدرى، فقال له عيسى: باء بهاء الله، وسين سناء الله، وميم ملكه، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة .... )) الحديث.
قال أبو الفرج: ((هذا حديث موضوع محال، ما يصنع مثل هذا الحديث إلا ملحدٌ يريد شين الإسلام، أو جاهل في غاية الجهل وقلة المبالاة بالدين. ولا يجوز أن يفرق حروف الكلمة المجتمعة فيقال الألف من كذا، واللام من كذا، وإنما هذا يكون في الحروف المقطعة، فيقال اقتنع بحرف من كلمته، مثل قولهم في كهيعص: الكاف من الكافي، والهاء من الهادى. وقد جمع واضع هذا الحديث جهلا وافراً، وإقداما عظيماً، وأتى بشئ لا تخفى برودته، والكذب فيه)).
وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى
الإسكندرية صباح ثامن عشر من رمضان المبارك سنة 1425 هـ.
ـ[حجر]ــــــــ[01 - 11 - 04, 04:42 م]ـ
أرجو ألا يشدنا حديث الأفعى عن أصل الفكرة؛ فإنما هو مثال.
نصيحتي لمشائخ الحديث الفضلاء ألا يحملهم تشنيع المخالفين على مجاراتهم في استشناع المتن إلا بعد الاستيقان من مناقضته الصريحة للعقل والنقل؛ فإنهم لا يقصرون تشنيعهم على الموضوعات والواهيات كما تفعلون، بل يتجاوزونها إلى المتواترات، والعجب أن المشار إليهم بأنهم [يعيبون أهل الحديث بما عابهم به أسلافهم] هم معدن المحالات، وكتبهم مناجمها، فلا ينبغي الاكتراث لتشنيعهم، {ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}
كما لا ينبغي أن نكون أجسر على نقد المتن بعد الوقوف على علة سنده منا قبل معرفتها، ولنزن ذلك بمثال: لو سمعت مثلا خبر (العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنفس في الرئة)، أو خبر الشجاع الأقرع، أو خبر (فأصبح ربك يطوف في الأرض) أو خبر الذباب، أو (ذئب يتكلم)، أو أن الفأرة مسخ إسرائيلي، أو غيرها من الأخبار العجيبة، التي لا يحيلها العقل، لكنه يعجب منها، ويحتار لها؛ لبعدها عن إدراكه، أو إلفه واعتياده، فالواجب على المنصف أن يجعل الميزان العقلي الحاكم بالاستحالة من عدمها ساريا على الجميع، وله مندوحة في عدم قبول ما ليس بمستحيل عند ضعف السند، وفي تكذيبه عند مخالفته ما صح عنده، أما أن نطلق لأنفسنا العنان في إبطال المتن والحكم بخرافيته وإذهاب [الروعة والهيبة المستقرة فى شغاف قلوب المؤمنين]، فهذه أخشى أن يدعيها الذين [يعيبون أهل الحديث بما عابهم به أسلافهم] في ما تواتر عندنا من أخبار النزول والميزان والرؤية والحوض والشفاعة وغيرها، فضلا عما صح دون التواتر، فنقع
¥