وقال ابنُ الجوزي في العلل المتناهية إنه لا يَصح، وأعلَّه بضعف معاويةَ بن صالح، وعبدَ الله بن صالح.
قلت: لأن ابن الجوزي ساق بإسناده متابعةَ عبدِ الله بن صالح لمعاوية، وليس ذلك بشيء، فإنما سقط من إسناده شيخُ عبد الله، وهو معاوية بن صالح نفسُه، وأما طريقة إعلاله بمعاوية بن صالح فلا تستقيم أيضا، إذ اقتصر على تجريح أبي حاتم له، وسكت عن توثيق باقي الحفاظ له! وقد عِيبَ هذا الصنيعُ على ابن الجوزي رحمه الله في كتاب الموضوعات، ثم قد رواه عن معاوية جمعٌ من كبار الحفاظ من عدة بلدان مثل: عبد الرحمن بن مهدي، والليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، ولم يتكلموا في الحديث.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (9/ 356): "فيه الحارث بن زياد، ولم أجد من وثقه، ولم يرو عنه غير يونس بن سيف، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف".
وفي المقابل: فالحديث لما سُئل عنه الإمام أحمد لم يضعّفه كما في علل الخلال، وصحّحه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن عساكر في تاريخه (59/ 106)، وابن كثير في البداية والنهاية (11/ 409)، وقال الجورقاني: "هذا حديث مشهور، رواه عن معاوية بن صالح جماعةٌ، منهم: بشر بن السري، والليث بن سعد، وعبد الله بن صالح، وأسد بن موسى، وغيرهم"، وأخرجه ضمن الأحاديث الضدّية للأباطيل والمناكير، وقال ابن عساكر: حسن غريب. (معجم الشيوخ 2/ 1041 رقم 1341)، وحسّنه ابنُ القطّان. (الإكمال لمغلطاي 3/ 290)، وقوّاه الذهبي بشاهده. (السير 3/ 124)، وقال ابن حجر في الإصابة بعد ذكر الاختلاف على معاويةَ مُرَجِّحا ومُقراً: "قلتُ: وحديثُ ابن مهدي في صحيح ابن حبان"، وأفاض الإمام الألباني في تخريجه وانتهى إلى صحة الحديث. (الصحيحة 3227)
لطيفة: ويُمكن زيادة المثبتين للحديث بما نقله ابنُ أبي يَعلَى الفَرّاء في ترجمة أبي حفص عمر بن إبراهيم العُكبري (3/ 294 العثيمين) إذ قال: "قال أبوحفص: سألني سائلٌ عن رجلٍ حَلَفَ بالطلاق الثلاث إنَّ معاويةَ رحمه الله في الجنّة، فأجبتُه: إنّ زوجتُه لم تطلُق، فليُقِم على نكاحه، وذَكَرتُ له أن أبا بكر محمد بن عَسْكَر سُئل عن هذه المسألة بعَينها؛ فأجابَ بهذا الجواب.
قال: وسُئل شيخُنا ابنُ بطّة عن هذه المسألة بحَضْرَتي، فأظُنُّه ذكَر جَوابَ محمد بن عسكر فيها.
وسمعتُ الشيخَ ابنَ بطةَ يقول: سمعتُ أبا بكرَ بنَ أيوب يقول: سمعتُ إبراهيم الحَربيَّ -وسُئلَ عن هذه المسألة- فقال: لَم تَطلُق زوجتُه، فليُقِم على نكاحِه.
قال: والدليلُ على ذلك: ما روى العِرباضُ بن سارية، أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم يقولُ لمُعاوية بن أبي سفيان: (اللهم علّمهُ الكتاب والحساب، وقِهِ العذاب).
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم مُجاب الدعاء، فإذا وُقيَ من العذاب فهو من أهل الجنة .. الخ".
قلتُ: والقائل "والدليل على ذلك" أُراه أبا حفص العكبري، والله أعلم.
طرق أخرى للحديث:
حديث عبد الرحمن بن أبي عَمِيرة رضي الله عنه:
روى الطبراني في الشاميين (1/ 190) -ومن طريقه ابن عساكر (35/ 230 و59/ 80) والذهبي في السير (8/ 34): ثنا أبوزرعة، وأحمد بن محمد بن يحيى الدمشقيان، قالا: ثنا أبومسهر، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: "اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب"
وروى بعده عن أبي زرعة بنفس السند حديث ابن أبي عميرة الصواب.
وعلّقه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 327) عن أبي مسهر به، بالمتن السابق، ثم أخرجه متصلا بالمتن الآخر "الله اجعله هاديا مهديا".
قال ابن عساكر إن هذا الوجه غريب، وأتبعه بتخريج الروايات عن سعيد بن عبد العزيز بمتن: "اللهم اجعله هاديا".
وأعله الذهبي في معجم الشيوخ (1/ 155)، وقال إن رواية الترمذي لهذا السند بمتن "اللهم اجعله هاديا" أصح، لرواية جماعة من الرواة.
لأن غالب الرواة عن أبي مُسهر (وهُم: يحيى بن معين، ومحمد بن يحيى الذهلي، وابن سعد، ومحمد بن عوف، ومحمد بن سهل بن عسكر، ومحمد بن رزق الله الكلوذاني، والترقفي، ومحمد بن المغيرة، وأبوزرعة الدمشقي في رواية، والبخاري معلقا)، ومَن تابَعه عن سعيد: يروون بهذا السند المتن الثاني "اللهم اجعله هاديا"، وهو الذي وصله البخاري.
¥