مَا ذَاقَ طَعْمَ الْغِنَى مَنْ لا قُنُوعَ لَهُ ... وَلَنْ تَرَى قَانِعَاً مَا عَاشَ مُفْتَقِرَا
وَالْعُرْفُ مَنْ يَأْتْهِ تُحْمَدْ عَوَاقِبُهُ ... مَا ضَاعَ عُرْفٌ وَإِنْ أَوْلَيْتَهُ حَجَرَاقلت: فمدار هذه الروايات على نُعِيمِ بْنِ حَمَّادٍ الْخُزَاعِىِّ، ومُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانَ أبُى الْحَسَنِ الْعُقَيْلِيِّ الْمِصْرِيِّ. أما أبُو الْحَسَنِ الْعُقَيْلِيُّ الْمِصْرِيُّ، فصدوق ليس به بأس، قاله الحافظ الذهبى ((ميزان الاعتدال)) (6/ 361/8300).
وأما نُعِيمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِىُّ، فأحد أعلام السنة والمنافحين عنها، تكلموا فيه، لكنه صدوق على لينٍ في روايته للحديث، وربما غلط فى أحاديث يتوهمها ولا يتعمد الكذب، وقد وثقه أحمد وابن معين والبخارى وأبو حاتم وأبو زرعة. وهو مشهور بصحبته لابن المبارك ومعرفة أقواله وأحواله وسيرته.
وقد اختلف الرواة عن أبُى الْحَسَنِ الْعُقَيْلِيِّ، فمن قائل ((قال ابْنُ الْمُبَارَكِ))، وأكثرهم يقول ((أَنْشَدَ ابْنُ الْمُبَارَكِ))، وهو الأصح، إذ الشعرُ لغيره، وليس له، وإنما أنشده استشهاداً.
فإن قيل: من قائلُ هذين البيتين؟، قلنا: هما مع ثلاثة أبياتٍ أخرى أو أكثر للإمام الثبت الثقة مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، ورواها بعضهم عن مَخْلَدِ بْنِ عَلِيٍّ السُّلامِيِّ الشَّاعِرِ.
قال أبو نعيم ((حلية الأولياء)) (7/ 220): حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَنْصَارِىُّ الأَصْبَهَانِىُّ ثنا رَجَاءُ بْنُ صُهَيْبٍ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ دَاوُدَ الْقِنْطَرِيَّ سَْمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يعنى الرَّمْلِىَّ سَمِعْتُ مِسْعَرَ بْنَ كِدَامٍ يقولُ:
اِقْبَلْ مِنْ الدَّهْرِ مَا أَتَاكَ بِهِ ... وَاصْبِرْ لِرَيْبِ الزَّمَانِ إِنْ عَثَرَا
مَا لاِمْرِىٍء فَوْقَ مَا يجْرِي الْقَضَاءُ بِهِ ... فَالْهَمُّ فَضْلٌ وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ صَبَرَا
يَارُبَّ سَاعٍ لَهُ فِي سَعْيِهِ أَمْلٌ ... يَفْنَى وَلَمْ يَقْضِ مِنْ تَأْمِيلِهِ وَطَرَا
مَا ذَاقَ طَعْمَ الْغِنَى مَنْ لا قُنُوعَ لَهُ ... وَلَنْ تَرَى قَانِعَاً مَا عَاشَ مُفْتَقِرَا
وَالْعُرْفُ مَنْ يَأْتْهِ تُحْمَدْ عَوَاقِبُهُ ... مَا ضَاعَ عُرْفٌ وَإِنْ أَوْلَيْتَهُ حَجَرَاوأخرج تمام الرازى ((الفوائد)) (1/ 199) قال: سمعت أبا الميمون بن راشد يقول أنشدني مَخْلَدُ بْنُ عَلِيٍّ السُّلامِيُّ:
مَا ذَاقَ طَعْمَ الْغِنَى مَنْ لا قُنُوعَ لَهُ ... وَلَنْ تَرَى قَانِعَاً مَا عَاشَ مُفْتَقِرَا
وَالْعُرْفُ مَنْ يَأْتْهِ يَحْمِدْ عَوَاقِبَهُ ... مَا ضَاعَ عُرْفٌ وَإِنْ أَوْلَيْتَهُ حَجَرَاوأخرجه كذلك ابن عساكر ((التاريخ)) (57/ 164) من طريق تمام الرازى بمثله.
قلت: والراجح أنه لِمِسْعَرٍ، فقد كان فصيحاً؛ مفوَّهاً؛ ناظماً للشعر، ومعظم ذلك فى المواعظ. فمن ذلك ما رواه جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ سَمِعْتَُ مِسْعَرَ بْنَ كِدَامٍ يقولُ:
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لازِمُ
وَتَشْغَلُ فِيمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُوقال مِسْعَرٌ ينصح ابنه كِدَامَ:
إِنِّي مَنَحْتُكَ يَا كِدَامُ نَصِيحَتِي ... فَاسْمَعْ مَقَالَ أَبٍ عَلَيْكَ شَفِيقِ
أَمَا الْمِزَاحَةُ وَالْمِرَاءُ فَدَعْهُمَا ... خُلُقَانِ لا أَرْضَاهُمَا لِصَدِيقِ
إِنِّي بَلَوْتُهُمَا فَلَمْ أَحْمِدْهُمَا ... لِمُجَاوِرٍ جَارَاً وَلا لِرَفِيقِ
وَالْجَهْلُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ ... وَعُرُوقُهُ فِي النَّاسِ أيَّ عُرُوقِ وقال مِسْعَرٌ:
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمِنْ نَالَ صَفْوَتَهَا ... مِنْ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الإِثْمُ وَالْعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سَوْءٍ مِنْ مَغَبِّتِهَا ... لا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُأخرجها أبو نعيم ((الحلية)) (7/ 221،220)، وابن أبى الدنيا ((الصمت)) (391)، والبيهقى ((الزهد)) (601) و ((شعب الإيمان)) (4/ 317/5248) بأسانيد صحاحٍ عن جَعْفَرَ بْنِ عَوْنٍ الواسطى عنه.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[21 - 01 - 05, 12:45 ص]ـ
¥