تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و هذا ظاهر في تأذي المصلين مما أصابهم من الإرهاق و التعب بسبب الإنتظار وقوفا، و لكن النبي صلى الله عليه و سلم لم يمتنع من فعله ليشرع لمن خلفه أحكاما منها؛ أن التأذي بمجرده ليس مناطا لعدم جواز الفعل الذي نتج عنه.

و قد كان الصحابة يصلون التراويح في عهد عمر إلى حد التعب الشديد، ففي " الموطأ " (251): " و قد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، و ما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ".

أما خامسا:

فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. و عليه، فإنه قبل أن نقضي بحكم على الدرس، ينبغي أن نتعرفه. فإن كان هذا الدرس – كما يُصَوَّر - زعقا و صراخا، و إرباكا للناس عن آداء عبادتهم، و صدهم عن ذكر الله و التهويش عليهم، فهذا لا ينبغي أن يسمى درسا إلا على سبيل التجوز. و لا ينبغي أن نظن أنه محل بحثنا هذا. و أما إن كان فيه ذكر لله، و تعريف بحقوقه على عباده، و تعليم لأحكامه التي يتوقف على معرفتها مصير العباد. فهذا كيف يُتَأذى منه؟

و أعجب منه قول الشيخ الألباني رحمه الله: أما أن ينتصب المدرس قبل صلاة الجمعة فيفرض نفسه على الناس فرضاً و فيهم المصلي و التالي و الذاكر، فهذا هو الإيذاء للمؤمنين، فلا يجوز. اهـ

قلت: هذا كلام فيه مغالطات ينبغي بيان ما فيها، و هي:

قوله: " هذا هو الإيذاء للمؤمنين " لا يخفى ما فيه. نعم، قد يكون يؤذيه ذلك شخصيا، بسبب الحرج الذي يعتريه لاعتقاده أن الدرس بدعة. لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك هو واقع الحال.

قوله: " يفرض نفسه فرضا " فهذا كلام ينبغي أن يحرر و لا يُترك على عواهنه، فيقال: أن هذا المدرس إن كان من أهل العلم - و أولى إن كان هو إمام المسجد - فإن الشرع هو الذي يفرضه، بل و يوجب عليه القيام بتعليم الناس دينهم و النصح لهم.

فإن قيل: يترك ذلك إلى ما بعد الجمعة. يقال: لا يتسنى له ذلك لتفرق الناس. و لا يمكنه أبدا جمع ما جُمع له يوم الجمعة قبل الصلاة. فأين الضرر في اغتنام اجتماعهم لتعليمهم أمور دينهم التي يجهلونها كثيرا.

هذا، و قد يفرض المدرسَ الحاكم الذي تجب طاعته، و الذي إليه يرجع تقدير مصالح الناس.

فالقول أنه يفرض نفسه هكذا، قول فيه كثير من المبالغة و الحيد.

قوله: " و فيهم المصلي و التالي و الذاكر "،

قلت: و ليس هذا بعائق تثبت به الأحكام الشرعية. فقد شرع التبكير إلى الجمعة، و من كان صادقا في رغبته في الخير، أضاف دقائق يسيرة ليتمكن من صلاته و ذكره و تلاوته. ثم هو بين الخيارين، إما أن يكون الدرس على الصفة التي ذكرتُ سابقا، فهذا من حقه عليه أن يستمع إليه و يتعلم منه. و لا ينبغي أن يضجر منه. و أما إن كان الدرس على غير ذلك، فهذا حكمه حكم استماع ما ليس من الخطبة في الخطبة.

و اعلم أن الوعظ و الإرشاد و التعليم لا يتقيد بزمن، بل ينظر فيه المصلحة و حالة المتعلمين و نحوهم، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُملكم، و إني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.

فإذا لم يجد العالم يوما في الأسبوع كما وجد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، و دعت الحاجة إلى مثل هذه الدروس، و ظهرت مصلحة من ذلك و تحققت الفائدة من ورائها فأين الحرج من إقامتها مع تنبيه الناس إلى أن ذلك لا صلة له بالجمعة؛ حتى لا يعتقدوا أنها من سنن يوم الجمعة أو مستحباتها؟

ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[18 - 03 - 08, 02:49 م]ـ

ثالثا:

دعوى عدم فعل النبي صلى الله عليه و سلم للدرس و أصحابه:

قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: هذا لم يكن من عمل السلف الصالح - رضي الله عنهم -

و قال الشيخ العثيمين - رحمه الله -: و أما كونه بدعة، فلأن هذا لم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.اهـ

فهل حقا كما قال هذان الفاضلان؟ أم أن الأمر خلاف ذلك؟

نبدأ أولا بدعوى عدم تدريس السلف يوم الجمعة فأقول: بل ثبت عن غير واحد منهم فعل ذلك، و هم:

• أبو هريرة رضي الله عنه:

ففي " المستدرك " (6173) عن عاصم بن محمد عن أبيه قال: " رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائما و يقول: حدثنا أبو القاسم رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم. فلا يزال يحدث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الإمام للصلاة جلس ".

قال (3/ 585): صحيح الإسناد و لم يخرجاه.

و قال الذهبي في " مختصره ": صحيح.

و في " مستخرج " أبي عوانة (3407) عن زياد، قال: قلت لثابت الأعرج: من أين سمعت من أبي هريرة؟ فقال: كان مواليّ يبعثوني يوم الجمعة آخذ لهم مكانا عند المنبر فكان أبو هريرة يجيء قبل الصلاة، فيحدث الناس فكنت أسمع ".

فقال أحمد بن حنبل: ما أرى بحديثه بأسا - يعني ثابتا – و هو ابن عياض، و يحدث عنه عبيد الله و مالك و زياد.

و في " مصنف " ابن أبي شيبة " (5411): عن محمد بن هلال عن أبيه قال: " كان أبو هريرة يحدثنا يوم الجمعة حتى يخرج الإمام "

قلت: و العجيب أنّ أبا هريرة رضي الله عنه هو راوي أحاديث الحث على التبكير، و منها حديث: " من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ... "، و الذي علّق عليه الشيخ الألباني بقوله: " و مما لا شك فيه أن حض النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين على التبكير في الرواح يوم الجمعة إلى المسجد الجامع ليس هو لسماع الدرس و إلقائه.اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير