تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لهذا فإني أنصحك يا عبد الوهاب بأن تتمسك بالكتاب والسنن فتحرم ما حرم الله و رسوله و تحل ما أحلاه و لا تتعداهما إلا غيرهما و لا تضرب بعضها ببعض و أن لا تحرف الكلم عن مواضعه حتى لا تضل و تضل فتحرم ما أحل الله و تحل ما حرم كما فعلت هنا.

أما خامسا: فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. و عليه، فإنه قبل أن نقضي بحكم على الدرس، ينبغي أن نتعرفه. فإن كان هذا الدرس – كما يُصَوَّر - زعقا و صراخا، و إرباكا للناس عن آداء عبادتهم، و صدهم عن ذكر الله و التهويش عليهم، فهذا لا ينبغي أن يسمى درسا إلا على سبيل التجوز. و لا ينبغي أن نظن أنه محل بحثنا هذا. و أما إن كان فيه ذكر لله، و تعريف بحقوقه على عباده، و تعليم لأحكامه التي يتوقف على معرفتها مصير العباد. فهذا كيف يُتَأذى منه؟

و أعجب منه قول الشيخ الألباني رحمه الله: أما أن ينتصب المدرس قبل صلاة الجمعة فيفرض نفسه على الناس فرضاً و فيهم المصلي و التالي و الذاكر، فهذا هو الإيذاء للمؤمنين، فلا يجوز. اهـ

قلت: هذا كلام فيه مغالطات ينبغي بيان ما فيها، و هي:

قوله: " هذا هو الإيذاء للمؤمنين " لا يخفى تعسفه و بعده. نعم، قد يكون يؤذيه ذلك شخصيا، بسبب الحرج الذي يعتريه لاعتقاده أن الدرس بدعة. لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك هو واقع الحال.

قال المقري: كما قلت سابقا بل إن من يدعي عدم التأذي إنما يعتريه ذلك لتعصبه لكون الدرس جائز. وليس دعواك بأولى من هذه الدعوى وبما أن التنازع قد حصل فلا مناص من الرد إلى الله و رسوله إن كنت تؤمن بالله و اليوم الآخر.

و عند الرد يتبين أن الإيذاء يقع للقارئ من قارئ لكتاب الله و هو خير الكلام فما بالك بكلام البشر بل بكلام صاحب بدعة و أغلب المتصديين للوعظ في درس الجمعة في زمننا من أهل الأهواء.

قوله: " يفرض نفسه فرضا " فهذا كلام ينبغي أن يحرر و لا يُترك على عواهنه، فيقال: أن هذا المدرس إن كان من أهل العلم - و أولى إن كان هو إمام المسجد - فإن الشرع هو الذي يفرضه، بل و يوجب عليه القيام بتعليم الناس دينهم و النصح لهم.

فإن قيل: يترك ذلك إلى ما بعد الجمعة. يقال: لا يتسنى له ذلك لتفرق الناس. و لا يمكنه أبدا جمع ما جُمع له يوم الجمعة قبل الصلاة. فأين الضرر في اغتنام اجتماعهم لتعليمهم أمور دينهم التي يجهلونها كثيرا.

هذا، و قد يفرض المدرسَ الحاكم الذي تجب طاعته، و الذي إليه يرجع تقدير مصالح الناس.

فالقول أنه يفرض نفسه هكذا، قول فيه كثير من المبالغة و الحيد.

قال المقري: لقد جال بخاطري يوما أنه سيأتي زمان يقول فيه القائل أن الممنوع من الدرس هو من لا يملك رخصة من وزارة الشؤون الدينية كما تسمى عندنا. أما من عنده الرخصة فليس بآثم في ذلك. حتى قرأت كلامك هذا فتعجبت لصدق ما تنبأت به رغم أنني كنت أقوله على سبيل الطرفة لا غير.

و لا يفوتني هنا أن أنبأك أن هذا الدرس قد أصبح من شعار وزارة الطرقين تفرق به بين من انتهج نهجها الخرافي و بين أصحاب الحديث جعلنا الله منهم.

وهكذا هم أهل البدع دائما يحدثون في الدين ما ليس منه ثم يوالون فيه ويعادون فيه. قوله: " و فيهم المصلي و التالي و الذاكر "، قلت: و ليس هذا بعائق تثبت به الأحكام الشرعية. فقد شرع التبكير إلى الجمعة، و من كان صادقا في رغبته في الخير، أضاف دقائق يسيرة ليتمكن من صلاته و ذكره و تلاوته. ثم هو بين الخيارين، إما أن يكون الدرس على الصفة التي ذكرتُ سابقا، فهذا من حقه عليه أن يستمع إليه و يتعلم منه. و لا ينبغي أن يضجر منه. و أما إن كان الدرس على غير ذلك، فهذا حكمه حكم استماع ما ليس من الخطبة في الخطبة.

و اعلم أن الوعظ و الإرشاد و التعليم لا يتقيد بزمن، بل ينظر فيه المصلحة و حالة المتعلمين و نحوهم، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُملكم، و إني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير