تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال قائل أليست المصلحة العامة أولى بالمراعاة من المصلحة الخاصة؟ و حاجة هذا الرجل خاصة، و هو صلى الله عليه وسلم يخطب في الجماعة؟ قلنا: نعم لو كانت مصلحة العامة تفوت لكان مراعاة المصلحة العامة أولى، لكن مصلحة العامة لا تفوت بل إنهم سيستفيدون مما يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الغريب، و المصلحة العامة لا تفوت.

و هذا الغريب الذي جاء يسأل عن دينه إذا أقبل إليه الرسول عليه الصلاة والسلام و علمه كان فيه تأليف لقلبه على الإسلام، و محبة للإسلام، و محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا من حكمة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.اهـ

و قال القرطبي في " المفهم " (7/ 144): إنما فعل ذلك لتعيُّنه عليه في الحال؛ و لخوف الفوت؛ و لأنه لا يناقض ما كان فيه من الخطبة، و مشيُه ـ صلى الله عليه وسلم ـ و قربه منه في تلك الحال مبادرة لاغتنام الفرصة، و إظهار الهمم بشأن السائل. اهـ

أراك قد جعلت قول القرطبي رحمه الله لقد أوتيت

تأمل كلام العلامة القرطبي - لله دره من فقيه - لتكتشف الخيط الرفيع الذي يفصل بين فهم السلف للنصوص و فهم غيرهم من المتأخرين. فقد استنبط من هذا الحديث ثلاث أحكام هي بمثابة الضوابط لما نحن بصدد بحثه، و هي:

- تعيّن المسؤولية على الإمام، تجاه من قصده للتعلم منه و الإستماع إليه. و قيام الحجة عليه بحيث لا يسعه تركه و لا رخصة له في إهماله.

- مراعاة خوف الفوات، و اهتبال المناسبات لتبليغ دين الله، إذ التفريط في تلك الفرص السوانح، تضييع للأمانة و تقصير في حق النصيحة. قال الآبي (3/ 30) في الحديث: فيه المبادرة للواجب، إذ لو تركه حتى يفرغ من الصلاة أمكن ان تخترمه المنية ... و كذلك إجابة السائل هي أيضا على الفور.اهـ

- بيان أن الدرس لا يناقض الخطبة و لا يؤثر فيها، و أنه قد لا تغني الخطبة عن الدرس مما يحتاج إلى بسط و بيان. قال القاضي عياض في " إكمال المعلم " (3/ 281): و فيه دليل أن مثل هذا كله من التعليم و الأوامر و النواهي في الخطب لا يقطعها و ليس بلغو فيها.اهـ قلت: قال الآبي: قوله " فأتمها " ظاهر في أنه لم يعدها. و هو كما قال، لأن الكل من ذكر الله الذي أمر بالسعي إليه.

و بهذا كان يأخذ العلامة ابن باديس – رحمه الله - و أصحابه من علماء الجزائر، حيث كانوا يعتبرون هذا المعنى، فيغتنمون تلك المناسبة التي يجتمع فيها الناس على كثرة مشاغلهم، لأداء ما فرض الله عليهم من واجب التبليغ و التبيين. و ليس كما يقول بعض، من أن ذلك كان بسبب الإحتلال. إذ لا تعلق للمسألة باحتلال و لا استقلال، و إنما هي من فقه الواقع، و تبصر العالم. و لأن مناط الأمر يدور حول أحوال الناس و ما يحدث لهم من مناسبات.

قال المقري: يجمع ما قلته من أول هذا القسم إلى هنا أمران:

1 - عدم تمكنك من الإتيان بدليل يثبت أن النبي عليه السلام وعظ قبل الخطبة و المصلون في تنفلهم و القارءون في قراءتهم أو أن أحد من الصحابة فعل ذلك بحضرة رسول الله و أقره أو بلغه ذلك و لم ينكره. إلا محاولة منك التشبث بخيط كخيط العنكبوت كما عودتنا منذ بداية ردك هذا الذي لولا واجب بيان الحق ما اشتغلت به. أعني مغالطتك بحديث قطعه عليه السلام للخطبة و وعظه للسائل عن دينه. وكان عليك أن تضيف إلى هذا حديث الاستسقاء ففيه شبهة لك إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع خطبته من أجل الأعرابي المستسقي.

2 - أن ما جئت به من آثار السلف و إن صحت ليس فيها حجة إذ لا برهان إلا من كتاب أو سنة أو إجماع متيقن و كل من دون النبي صلى الله عليه وسلم يخطأ فإن كان مجتهدا فله أجر و إن كان متعصبا لرأيه بالهوى أو بتقليد فهو مأزور.

و لكن في ذلك رد على قول الشيخ الألباني و الشيخ ابن عثيمين أنه لم يفعله أحد من السلف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير