تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وهذا ينطبق على مسألتنا هذه، فإن الجماعة في الأصل مشروعة لحِكم، منها: مضاعفة الثواب وعموم البركة، والتواصل والتوادد، ولأجل معرفة أحوال بعضهمببعض فيقوموا بعيادة المرضى وتشييع الموتى وإغاثة الملهوفين، وليحصل بينهمالتعاون والائتلاف ولهذا قالصلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ". [107] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn107)

إذاً: فالجماعة موضوعة لهذه المعاني العظيمة والحِكم الجليلة، وهي وسيلة إلىالخير والوحدة والاتفاق، ولكن لو اتخذ من تكرار الجماعة وسيلة وذريعة إلىمفسدة الاختلاف والافتراق أو كان يفضي إليها لم تكن مشروعة.

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -[108] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn108) : " الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان…والثاني: أن تكون (الأفعال أوالأقوال) موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيتخذ وسيلة إلى المحرمإما بقصده أو بغير قصد منه…كمن يُصلي تطوعاً بغير سبب في أوقات النهي، أويسبّ أرباب المشركين بين أظهرهم …" ثم دلّل على المنع بوجوه، فقال: [109] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn109) " الوجه الثامن والثلاثون: أن الشارع أمر بالاجتماع على إمام واحد فيالإمامة الكبرى، وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف، مع كون صلاةالخوف بإمامين أقرب إلى حصول صلاة الأمن، وذلك سداً لذريعة التفريقوالاختلاف والتنازع، وطلباً لاجتماع القلوب وتآلف الكلمة، وهذا من أعظممقاصد الشرع، وقد سد الذريعة إلى ما يناقضه بكل طريق، حتى في تسوية الصففي الصلاة، لئلا تختلف القلوب، وشواهد ذلك أكثر من أن تذكر".

قلت: ومن أجل هذا منع جماعة من أهل العلم من تعدد الجمعة في بلد واحد - إذا لمتدع الحاجة إلى التعدد - بأن كان المسجد الكبير كافياً لهم، فلا يجوز فيمسجدين إذا حصل الغنى بالمسجد الواحد، قال ابن قدامة: [110] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn110) " لا نعلم في هذا مخالفاً إلا أن عطاء قيل له: "إن أهلالبصرةلا يسعهم المسجد الأكبر" فقال: "لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزي ذلكعنهم" قال ابن جرير: "فأنكر الناس ذلك أن يجمعوا إلا في المسجد الأكبر" [111] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn111) كل ذلك حرصاً على توحيد كلمة المسلمين وردعاً لأهل الأهواء الزائغة الذينيعتزلون المسجد الكبير ويبنون لأنفسهم مساجد أخرى ضراراً وتفريقاً للكلمةوشقاً لعصا المسلمين ليبطلوا المعنى الروحي من هذا الاجتماع العظيم [112] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn112)، وسداً لذريعة التوصل بما هو مصلحة إلى مفسدة.

قال الشاطبي: "وقد يقع الترك لوجوه… ومنها: الترك للمطلوب خوفاً من حدوثمفسدة أعظم من مصلحة ذلك المطلوب كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "لولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تُنكر قلوبهم أن أدخلالجدْر في البيت، وأن ألصِق بابه بالأرض". [113] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn113) فما منعهصلى الله عليه وسلممن إعادة بناءالبيت الحرام على قواعد إبراهيم - عليه السلام - إلا خوف حدوث بلبلة بين العربومن أن يقولوا: إن محمداًصلىالله عليه وسلميهدم المقدّسات ويغيّر معالمها. ولهذا قال الشاطبي: "فقد حذر السلفمن التلبس بما يجر إلى المفاسد و إن كان أصله مطلوباً" [114] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn114) وقال: "إن قاعدة سد الذرائع إنما عمل السلف بها بناء على هذا المعنى…كإتمامعثمان - رضي الله عنه - الصلاة في حجه بالناس [115] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn115) وتسليم الصحابة له في عذره الذي اعتذر به من سد الذريعة" [116] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn116) وقد قال لهم: "إني إمام الناس فينظر إليّ الأعراب وأهل البادية أصليركعتين، فيقولون: هكذا فرضت". [117] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn117)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [118] ( http://www.iu.edu.sa/Magazine/120/8.htm#_ftn118) " المسلم قد يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحته كما تركالنبيصلى الله عليه وسلمبناء البيت علىقواعد إبراهيم عليه السلام".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير