وقول الشيخ فينبغي لهذا المقام أن يحرر مشعر بعدم استقراره على هذا الرأي، وأن المسألة بحاجة إلى بحث، وقد أعاد بحثها الشيخ مرة أخرى في كتابه " تفسير آيات أشكلت 2/ 578 عند حديثه على آيات الربا، على قوله تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) وقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) حيث قرر أن الكافر لا يرد الأموال التي قبضها بالربا إذا أسلم، وأما المسلم فله ثلاث أحوال:
أحدها: أن يكون معتقدا الحل باجتهاد أو تقليد.
الثانية: أن يكون جاهلا غير عالم بالتحريم.
الثالثة: أن يكون عالما بالتحريم.
أما الأول والثاني فقوله فيهما ظاهر من حيث إن القبض يبيح لهما المال المبقوض بعقد محرم إذا تبين لهما فيما بعد حرمة العقد، وأما الثالث فقد قال فيه:
" بل قد يقال إن هذا يتناول من كان يعلم التحريم إذا جاءته موظة من ربه فانتهى، فإن الله يغفر لمن تاب بتوبته، فيكون ما مضى من الفعل وجوده كعدمه، والآية تتناوله (فله ما سلف وأمره إلى الله) ويدل على ذلك قوله بعد هذا (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) إلى قوله (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم)
والتوبة تتناول المسلم العاصي كما تتناول الكافر، ولا خلاف أنه لو عامله بربا يحرم بالإجماع لم يقبض منه شيئا ثم تاب أن له رأس ماله، فالآية تتانوله، وقد قال فيها (اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) ولم يأمر برد المقبوض، بل قال قبل ذلك (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) وهذا وإن كان ملعونا على ما أكله وأوكله، فإذا تاب غفر له.
ثم المقبوض قد يكون اتجر فيه وتقلب، وقد يكون أكله ولم يبق منه شيئ، وقد يكون باقيا.
فإن كان قد ذهب وجعل دينا عليه كان في ذلك ضرر عظيم، وكان هذا منفرا عن التوبة، وهذا الغريم يكفيه إحسانا إليه إٍقاطه ما بقي في ذمته، وهو برضاه أعطاه، وكلاهما ملعون، ولو فرض أن يجلا أمر رجلا بإتلاف ماله، وأتلفه لم يضمنه، وإن كانا ظالمين، فكذلك هذا هو سلط ذاك على أكل هذا المال برضاه فلا وجه لتضمينه وإن كانا آثمين.
وإن كان عين المال باقيا فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه كالسارق الغاصب بل قبضه باتفاقهما ورضاهما بعقد من العقود، وهو لو كان كافرا ثم أسلم لم يرده، وقد قال تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فهل ما سلف وأمره إلأى الله)
وقد يقال لا يكون لواحد منهما كما لو كان ثمن خمر أو مهر بغي أو حلوان كاهن فإن هذا إذا تاب لا يعيده إلى صاحبه بل يتصدق به في أظهر قولي العلماء.
فإن قيل مثل هذا في الربا قياسا على هذا، فقد يقال هنا التحريم لحق الله، لأن نفس عوض الخمر محرم، وهناك التحريم لما فيه من ظلم الآدمي، وإن كان لو رضي به لم يجز لأنه سفيه في ذلك.
وأيضا ففي رده عليه تسليط لما يحتال على الناس بأن يأخذها بعقود ربوية فينتفع بها ثم يطالبهم بما قبضوه، وقد انتفع برأس ماله مدة بغير رضاهم، فإنهم لم يعطوه قرضا.
وهذه المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق، وأما الذي لا ريب فيه عندنا فهو ما قبضه بتأول أو جعل فهنا له ما سلف بلا ريب كما دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار
وأما مع العلم بالتحريم فيحتاج إلى نظر، فإنه قد يقال طرد هذا أن من اكتسب مالا من ثمن خمر مع علمه بالتحريم فله ما سلف،وكذلك كل من اكتسب مالا محرما ثم تاب إذا كان برضا الدافع، ويلزم مثل ذلك في مهر البغي وحلوان الكاهن.
وهذا ليس ببعيد عن أصول الشريعة، فإنها تفرق بني التائب وغير التائب كما في قوله تعالى (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) وقال تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)
وهذا في الكفار ظاهر متواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم متفق عليه بين المسلمين، فإن الكافر إذا أٍلم لم يجب عليه قضاء ما تركه من صيام وصلاة وزكاة، ولا يحرم ما اكتسبه من الأموال التي كان يعتقدها حلالا، ولا ضمان عليه فيما أتلفه لأنه كان يعتقد حل ذلك.
وأما المسلم إذا تاب ففي قضاء الصلاة والصيام نزاع
ومما يقول هذا أن هذا المال لا يتلف بلا نزاع بل إما أن يتصدق به وإما أن يدفع إلى الزاني والشارب الذي أخذ منه مع كونه مصرا، وإما أن يجعل لهذا القابض التائب.
¥