إَنَّ المَسَافَةَ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْى، هِيَ وَادِي مُحَسِرٍ فَقَط،وَهوَ نَحْوَ 300 مِتْرٍ أوَ 400 مِتْرٍ أوَ 500مِتْرٍ أوَ أَكْثَرُ قَلِيلاً.
إنَّ مِنْى كُلَّهَا مِنْ أَوََّلِهَا إلَى أَخِرهَا، لاتَصِلُ لِهَذِهِ المَسَافَةِ فَإِذَا كَاَنَ هَذَا خَطَأً فَمَا قَبْلَهُ خَطَأٌ أَيْضاً، أَمْ أَنَّ أوَّلَ الكَلامِ- لأَنَّه رَاقَ لَكَ- صَحِيح ٌ, وَأخِرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؟!!
وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ البَاحِثَ، ذَكَرَ هَذَا اسْتَطْرَاداً، وَجَرَى بِهِ قَلَمُهُ، وَلَكَنَّهُ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ وَنَقَلَ نَفْسَ الكَلامِ عَنْ صَاحِبِ تَبْيينِ الحَقَائِقِ الزَيْلَعِيِّ المُتَوَفَى سَنَةَ 743هـ , وَزَادَ قَائِلاً (يَعْنِي قَرَابَةَ خَمْسَةَ كِيلُو مِتْرٍ وَنِصْفَ الَكِيلُو. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلافَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ مِنْ كَونِهَا لا تَبْعُدُ إلا نَحْوَ نِصْفِ الَكِيلُو).فَإِذَنْ تَلْتَزِمُ أَنَّ َ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْى هِيَ أَيْضاً خَمْسَةُ كِيلُو مِتْرٍ وَنِصْفُ الَكِيلُو.وَلَيْسَتْ فَقَط عَرْضَ وَادِي مُحَسِرٍ الذِي لا يَتَعَدَّى النِّصْفَ كِيلُو فِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ. وَهَذَا يَعَنْى أَنَّ تُصْبِحَ مِنْى كُلَّهَا لَيْسَتْ مِنْى , وَإنَّمَا هِيَ فَاصِلٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْى. فَأَيْنَ مِنْى إِذَنْ؟!!!
وَاسْتَدَلَّ البَاحِثُ بِمَا يَلِي أَيْضاً: أَوَرَدَ حَدِيثَ جَابِرٍ بنِ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي سَيْرِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ وَفِيه: (كُلَّمَا أتى حَبْلاً مِنْ الحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَى تَصْعدَ ... ). الحَدِيث.
ثُمَّ قَالَ البَاحِثُ: (فهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرَّ عَلَى الحِبَالِ وَهِيَ الجِبَالُ الصَّغَيْرةُ، وَهِيَ التِي فِي طَرِيقِ المُشَاةِ فِي مُزْدَلِفَةَ , وَسَارَ مَسَافَةً طَويلَةً يَتَخَلَّلُهَا عَدَدٌ مِنْ الحِبَالِ، وَصَعَدَ وَهَبَطَ فَكَيْفَ تَكُونُ المَسَافَةُ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ قَرِيبَةً جِداً لا يَتَخَلَّلُهَا شَيءٌ مِنْ الحِبَالِ، كمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ الحُمَيدِيُّ).وَكَرَّرَ الحَدِيثَ مَرَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: (وَالمقصُودُ بالحِبَالِ، الجِبَالُ الصَّغَيْرةُ).
وَأَقُولُ عَنْ هَذَا الإيرَاد أجْوِبة تأَمّلْهَا بإَنصَافٍ تَصِلُ لِلحَقِّ بِلا خِلافَ.
الجوَابُ الأوَّلُ:تَفْسِيْرُ البَاحِثِ لِلحِبَالِ بِالجِبَالِ الصَّغَيْرةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَْل خَطَأٌ وَاضِحٌ وَالتَفْسِيْرُ الصَحِيحُ لَهَا مَا يَلِي: الحِبَالُ (بالحاءِ المُهَْملَةِ، وَالبَاءِ المُوَحَدةِ) َجمْعُ حَبْل، وَ هِيَ كُثْبَانُ الرَّمْلِ المُجْتَمِعَةُ المُمَْتدَّةُ، التِي يُمْكِنُ للمُشَاةِ وَالإبلِ صُعُودُهَا، وَتخَطِّيهَا.
وَلَيْسَتْ الجِبَالَ الصَّغَيْرةَ، كَمَا ذَكَرَهُ البَاحِثُ‘ وَإليْكَ تَفْْسِيرُ أهْلِ الغَرِيبِ وَاللُّغَةِ وَالحَدِيثِ لَهَا.
قَالَ الحَافِظُ الحُمِيْدِيُّ فِي تَفْسَيْرِ غَرِيبِ مَا فِي الصَّحِيحَينِ (ص216):"الحَبْلُ مَا اسْتَطَالَ مِنْ الرَّمْلِ".
وَفِي النِّهَايَة ِفِي غَرِيبِ الحَدِيثِ لابنِ الأثِيرِ: " الحَبْلُ فِي الرَّمْلِ كَالجِبَالِ فِي غَيْرِ الرَّمْل".فالحِبَالُ إذاً جَمْعُ حَبْلٍ: وَهوَ التَّلُّ اللطِيفُ مِنْ الرَّمْلِ.
وَفِي مُعْجَمِ العَينِ لِلخَلِيلِ بنِ أَحْمَدَ الفَرَاهِيديِّ (3/ 236): "وَالحَبْلُ: الرَّمْلُ الطَّويلُ الضَّخْم ُ".وَفِي لِسَانِ العَرَبِ (11/ 137 - 138): " وَيُقَالُ للرَّمْلِ يَسْتَطيِلُ حَبْلٌ. وَالحَبْلُ الرَّمْلُ المسْتَطِيلُ شُبِهَ بالحَبْلِ. وَالحَبْلُ مِنْ الرَّمْلِ: المجتَمِعُ الَكَثيِرُ العَالِي. والحبْلُ: رَمْلٌ يسْتَطِيلُ وَيمْتَدُ ... الحَبْلُ: المسْتَطِيلُ مِنْ الرَّملِ , وَقِيلَ الضَّخمُ مِنْه. وَجَمْعُهُ حِبَالٌ، وَقِيلَ الحِبَالُ فِي الرَّّّّّّّّمْلِ وَ الجِبَالُ فِي غَيْرِ الرَّمْلِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ بَدْرٍ: صَعَدْنَا عَلَى حَبَلٍ أي قِطْعَةٌ مِنْ الرَّملِ ضَخْمَةٌ مُمْتَدَّةٌ, وَفِي
¥