حَدِيثٍ: جَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ , أيْ طَرِيقُهُم الذِي يَسْلُكَونه فِي الرَّمْلِ ".
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُرْوَةَ بنِ مُضَرِّسٍ بنِ حَارِثَةَ بنِ لامٍ الطَّائِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أتَيْتُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمُزْدَلِفَةَ ... وَفِيه: "وَاللَّهِ مَا تَركْتُ مِنْ حَبْلٍ إلا وَقَفْتُ عَلَيْهِ ,فَهَلْ لي مِنْ حَجٍّ ".3قَالَ الإَمَامُ التّرْمِذِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ -بَعْدَ هَذَا الحَدِيثِ (3/ 032): " قَولُهُ: مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إلا وَقَفْتُ عَلَيْهِ. إِذَا كَاَنَ مِنْ رَملٍ يُقَالُ لَهُ: حَبْلٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ حِجَارَةٍ يُقََالُ لَهُ: جَبَلٌ".وَهَذَا يتَبَيَّنُ بالجوَابِ الثّانِي.
الجوَابُ الثَّانِي:وَهَذَا هوَ المُنِاسِبُ لسَيْرِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصُعُودُهُ بِنَاقَتِهِ وَهُبُوطُهُ.فَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَعْمَدَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاقَتِهِ إلى صُعُودِ
الجِبَالِ وَيَهْبِطَ،وَيَتْرُكَ الشِّعَابَ السَّهْلَةَ المنْبَسِطَةَ، التِي تَتَخلَّلُهَا تِلَكَ الحِبَالُ مِنْ الرَّمْلِ؟
هَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ،وَلا طَاقَةَ للنَّاقَةِ بِصُعُودِ الجِبَالِ أصْلاً.
ــــــــــــــــــــ
3/أخرجه أحمد (3/ 15) ,وَأبوَ داوَد (1950) ,وَالترمذي (3/ 230) وَالبخاري فِي الَكَبير (114/ 31
الجوَابُ الثَّالِثُ: لا يَلْزَمُ, بَلْ وَلا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَارَ مِنْ مَوْضِعِ وقُوفِهِ بعَرَفَةَ حِيَالَ الصَّخَراتِ بِقَلْبِ عَرَفَةَ، فَلمَّا وَصَلَ أوَّلَ حَدِّ مُزْدَلِفَةَ نَزَلَ، وَصلَّى، وَباتَ، بل الذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ سَارَ مِنْ مَوْضِعِ نِزُولِهِ بِقَلْب عرفة حِيَالَ الصَّخَرَاتِ, وَدَخَلَ مُزْدَلِفَةَ وَاسْتَمَرَّ سَائِرَاً بِهِا؛ لأَنَّهُ يَطْلُبُ مكََََاناً مُعِيَناً سَهْلاً صَالِحاً لِلنُزُولِ أقْرَبَ إِلَى مِنْى؛ لِيكَُونَ أسْهَلَ وَأرْفَقَ لِخُرُوجِهِ صَبَاحاً مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنْى. فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ عَرْضَ مُزْدَلِفَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، سَبْعُ كِيلُو مِتْراتٍ, فلوْ أَنَّ شَخْصاً بِمُجَرَّدِ مَا دَخَلَهَا نَزَلَ وَجَلَسَ فِي أوَّل حَدِّهَا لَصَحَّ عَقْلاً وَلُغَةً أَنْ يُقَالَ عَنْهُ: إنَّهُ أتَى مُزْدَلِفَةَ وَنَزَلَ بِهِا، وَلوْ دَخَلَهَا آخرٌ، وَاسْتَمَرَّ سَائِرا ًبِهَا، قَاطِعاً لها إلى قُبَيْلِ نِهَايَتِهَا بِقَلِيلٍ, فَنَزَلَ وَجَلَسَ ,لصَحَّ أَيْضاً عَقْلاً وَلُغَةً أَنْ يُقَالَ عَنْهُ أَنَّه أتى مُزْدَلِفَةَ وَنَزَلَ بِهِا وَلوَ كَاَنَ سَارَ مَسَافَةً أَطْوَلَ مِنَ الأوَّلِ بِكَثِيرٍ. تَأََمَلْ هَذَا تَجِدْهُ وَاضِحاً، وَهَذَا يَتَّضِحُ فِي الجَوَابِ الذِي بَعْدَهُ فَانْتَظِرْ!!
الجوَابُ الرَابِع: إنَّهُ لا يَتِمُّ اسْتِدْلالُ المُعْتَرِض بِهِذَا الحَدِيثِ عَلَى مَا يُرِيدُ تَقْرِيرَهُ مِنْ أَنَّ مُزْدَلِِفَةَ حُدُودُهَا بَعِيدَةٌ جِدَّاً عَنْ عَرَفَةَ، وَأَنَّ المَسَافَةَ التِي قَطَعَهَا النَّبِيُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَوْضِعِ نُزُولِهِ هِيَ فاصل مِنْ الأَرْضِ بَيْنَ عَرَفَة َوَمُزْدَلِفَةَ، لا مِنْ عَرَفَة َوَلا مِنْ مُزْدَلِفَةَ لا يَتِمُّ اسْتِدْلالَهُ بِهِذَا إِلا إِذَا التَزَمَ هَذَا البَاحِثُ أَنَّ الموْضِعَ الَّذِي نَزَلَ بِِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أوَّلُ حَدِّ مُزْدَلِفَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ، وَأنَّ مِنْ مَوْضِعِ نُزُولِهِ إِلَى عَرَفَةَ لَيْسَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَلْ فَاصِلٌ مِنْ الأَرْضِ، لا مَعْنَىً لَهُ ولا وَظِيفَةً. فَهَلْ يَلْتَزِمُ بَاحِثُنَا بذَلِكَ؟!
أَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ لاَ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ، لأَُمُورٍ:
الأَمْرُ الأوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ وَلابَال غَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَ مَوْضِعَ نُزُولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمُزْدَلِفَةَ هُوَ أوَّلُ حَدِّ مُزْدَلِفَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ.
¥