وَممَا يُؤَيِّدُ لَفْظَةَ: أَنَّه حِينَ أفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ.وَأَنَّها تَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ نُزُولِهِ الشِّعْبَ بِدُوْنِ فَارِقٍ زَمَنِيٍّ كَبِيرٍ. مَا جَاءَ فِي لَفْظِ رِوَايَةِ مَالِكٍ بنِ أَنَّسٍ عَنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ كريبٍ عَنْ أسامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: (دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ فَنَزَلَ الشِّعْبَ فَبَالَ ... ) الحَدِيثُ أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1672).فَإنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ لُغَةً أَنَّ الفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ السَّرِيعِ بِدُوْنِ تَرَاخٍ, فَتُوافِقُ وَتُؤَيِّدُ لَفْظَةَ:حِينَ أفَاضَ. فَهَذَا مَا جَرَى تَقْيِيدُهُ هُنَا؛ لِتَوْضِيحِ الأَمْرِ وَكَشْفِ اللَّبْسِ.وَاللهُ أعْلَمُ.
وَلَكِنَّ بَاحِثَنَا الَكَرِيمَ، يَضْرِبُ صَفْحاً عَنْ هَذِهِ الدَّلائِلِ. ثُمَّ يَتَبَرَّعُ مِنْ عِنْدِهِ هُوَ فِي تَحْدِيدِ الأَمَاكِنِ تَحْدِيداً دَقِيقاً،كَأنَّهُ حَضَرَ القَوْمَ وَشَاهَدَهُم.
فَقَالَ فِي رَدِّهِ لِدَلالَةِ أثَرِ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ السَّابِقِ ذَكَرَهُ, فِي ذِكْرِ الجَّبَلِ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيرِ, قَالَ: (وَهَذَا الجَبَلُ عَلَى الشِّعْبِ يَقَعُ عَلَى حُدُودِ مُزْدَلِفَةَ , فَإنْ صَلَّى فِي الجَبَلِ مُقَابِلَ عَرَفَةَ فَقَدْ صَلَّى قَبْلَ جَمْعٍ , وَإنْ صَلَّى فِي الجَبَلِ مِنْ جِهَةِ مُزْدَلِفَةَ فَقَدْ صَلَّى فِي مُزْدَلِفَةَ).
هَكَذَا حَدَّدَ وَرَسَمَ،كَأنَّهُ حَضَرَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيرِ، وَشَاهَدَهُ صَلَّى عَلَى هَذَا الجَبَلِ دُوْنَ ذَاكَ , وَأَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً جِهَةَ عَرَفَةَ وَمَرَّةً جِهَةَ مُزْدَلِفَةَ.!!!
قَالَ بَاحِثُنَا الَكَرِيمُ أَيْضاً عَنْ الشِّعْبِ الَّذِي بَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا مَا يُسَمَّى شِعْبُ الْمبالِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نزل فَبَالَ فِيهِ, وَهوَ قَبْلَ نِهَايةِ المَأزمَينِ مِنْ جِهَةِ مُزْدَلِفَةَ عَلَى مَا يُسَمَّى الأخشبَيْنِ).
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: (فبَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عُرَنَةَ يَجِدُ طَرِيقاً تُسَمَّى طَرِيقُ المَأزمَين ِوَفِيهَا جِبَالٌ مُتَعَدِدَةٌ عَلَى اليَمِينِ وَالَيْسَارِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى شِعْبٍ يُسَمَّى شٍعْبُ الْمبَالِ ,وَهوَ فِي آخِرِ المَأزمَينِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ المُزْدَلِفَةَ) هَكَذَا حَدَّدَ البَاحِثُ وَقَرَّرَ وَرَسَمَ بِدِقَةٍ مَوْضِعَ الشِّعْبِ الَّذِي بَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّا أَقُولُ لَهُ: الذِينَ حََضرُوا رًسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدُوا حَجَّتَهَ مِنْ أصْحَابِهِ , وَفَصَّلُوا لَنَا حَجّتَهُ تَفْصِيلاً.
إمَّا أَنَّهُم مَاشَاهدُوا دُخُولَهُ الشِّعْبَ،وَقَضَاءه حَاجَته أصْلاً فَلِذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ مُطْلَقاً كجَابِرٍ بنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَإمَّا أَنَّهُم كَانُوا مُلاصِقِينَ لَهُ،كَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ،الَّذِي كَانَ رَدِيفَهُ عَلَى دَابَتِهِ.
فَمَا حَدَّدُوا مَوْضِعَ الشِّعْبِ كَتَحْدِيدِ بَاحِثِنَا هَذَا.
وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قُرْبِ نُزُولِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الشِّعْبَ بَعْدَ إفَاضَتِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَأفَادَتْهُ رِوَايَةُ رَدِيفه عَلَى دَابَتِهِ وَقْتَ نَفْرَتِهِ , أسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، كَمَا مَرَّ تَحْرِيرُهُ. وَاللَّهُ الموَفِّقُ لا إلَه إلا هُوَ ..
قُلْتُ فِي رِسَالَتِي عَنْ مُزْدَلِفَةَ: (ص52 - 53): (جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ السِّيرَةِ أَنَّ هَذَا الشِّعْبَ يُقَالُ لِهَذَا شِعْبِ الأذَاخِرِ , وأنه قَرِيبٌ جِداً مِنْ عَرَفَةَ عَلَى يَسَارِ الْخَارِجِ مِنْهَا يَفْضِي إِلَى بَطْنِ عُرَنَةَ). وَأحَلْنا عَلَى كِتابِ إمْتَاعِ الأسمَاعِ لِلْمَقْرِيزِيِّ (1/ 525).
¥