تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ وأجيب أنّه لا يدلّ على الوجوب لأنّه هو صفة فعل ترتّبت عليه فضيلة ولم يترتّب عليه عدم إجزاء الصلاة إلاّ إذا ورد بصفة، ولم يرد بلفظ يدلّ على إيجاب صفاته.

وأجيب أيضًا أنّكم نقلتم الإجماع على أنّ تقديم اليمين في الوضوء سنّة من خالفها فاته فضل، وتمّ وضوؤه ولم تقولوا بوجوب الترتيب في اليدين ولا في الرجلين واعتبرتموهما بمنزلة العضو الواحد. ومن هنا يتبيّن ضعف الاستدلال بمواظبته صلى الله عليه وسلَّم على وضوئه مرتّبًا أنّه لا يدلّ على الوجوب، وإنّما يدلّ ذلك على تأكيد السنّة لا الوجوب (8).

كما أجيب أيضًا أنّه لا ينتهض الترتيب بـ «ثمّ» على الوجوب لأنّه من لفظ الراوي، وغايته أنّه وقع من النبيّ صلى الله عليه وسلَّم على ذلك الصفة، والفعل المجرّد لا يدلّ على الوجوب.

كما استدلّ القائلون بالوجوب بحديث رواه مسلم في صحيحه أنّه صلى الله عليه وسلَّم لمّا طاف بالبيت خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى:?إِنَّ الصفَا وَالمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَوَّفَ بِهِمَا?الآية، ثمّ قال: «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ». ولفظ النسائي «ابْدَأُوا بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ»، وهذا لفظ أمر قال ابن كثير: إسناده صحيح.

فدلّ على وجوب البداءة بما بدأ الله به.

أجيب عمّا رواه مسلم بأنْ قالوا: لسنا ننكر إذا صحب «الواوَ» بيانٌ يوجب التقدمة أنّ ذلك كلّه لموضع البيان، كما ورد البيان بالإجماع في قوله تعالى?ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا?. وهذا الحديث إنّما هو حجّة عليكم لا لكم لأنّ الواو لو كانت توجب الرتبة ما احتاج النبيّ صلى الله عليه وسلَّم أن يبيّن الابتداء بالصفا، وإنّما بيّن ذلك إعلامًا لمراد الله من الواو بذلك الموضع. كما في الحديث الذي رواه مسلم.

3 ـ الدليل من الإجماع:

نقل الإجماع ابن كثير بقوله: «إنّ الآية دلّت على وجوب غسل الوجه ابتداءً فوجب الترتيب فيما بعده بالإجماع حيث لا فارق» ـ اهـ، لأنّه ليس هناك من يقول يبدأ بالوجه أوّلاً ثمّ لا يجب الترتيب بعده.

أجيب أنّه كيف يتمّ الإجماع وهناك من خالف من عهد الصحابة والتابعين وتابع التابعين؟!

4 ـ الدليل من القياس من وجهين:

الأوّل: كونه عبادة تشتمل على أفعال متغايرة يرتبط بعضها ببعض كالصلاة والحجّ.

والوجه الثاني: كونه عبادة تشتمل على أفعال يبطلها الحدث فوجب ترتيبها كالصلاة.

5 ـ الدليل من اللغة:

إنّ الواو للترتيب وهو مذهب الفرّاء وثعلب.

أجيب أنّ الواو لا تقتضي ترتيبًا، ومن ادّعاه فهو مكابر فلو اقتضت الترتيب لما صحّ قولهم تقاتل زيد وعمرو، كما خطّأوا قول القائل تقاتل زيد ثمّ عمرو، قال النووي: «وهو الصواب المعروف لأهل العربية وغيرهم».

إلاّ أنّ ابن كثير قال: «ثمّ نقول بتقدير تسليم كونها لا تدلّ على الترتيب اللغوي هي دالّة على الترتيب شرعًا فيما من شأنه أن يرتّب».

أمّا الفريق الثاني فقد استدلّ على ما ذهبوا إليه من استحباب الترتيب لأعضاء الوضوء على نسق الآية بالكتاب والسنة والأثر والقياس والاستصحاب واللغة والمعقول.

1 ـ الكتاب:

قوله تعالى:?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلىَ المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ?الآية.

وجه الدلالة من الآية: أنّ الله عزّ وجلّ عقب القيام إلى الصلاة بغسل مجموع الأعضاء، لأنّه عطف بعضها على بعض بحرف الواو، وهي لا تقتضي الترتيب ولا يمكن التعبير عنها مفصلة إلاّ بذكر اسم كلّ واحد منها فوقع ذكر الأوّل من ضرورة التفضيل، فكيفما غسل المتوضّأ أعضاءه كان ممتثلاً للأمر، فكأنّه قال: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء وهذا يمنع الترتيب، ونظيره قول القائل: إذا دخلت السوق فاشتر الخبز واللحم والفاكهة، فإنّ ذلك لا يقتضي تقديم ما بدأ به وإنّما ينبغي تحصيلها مجموعة.

2 ـ أمّا استدلالهم من السنة:

فإنّ الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن جماعة من الصحابة في صفة وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلَّم حين وصفوه مرتّبًا.

فمواظبة النبيّ صلى الله عليه وسلَّم على الترتيب لدليل قاطع على أنّه سنة مؤكّدة، لأنّهم إنّما يحكون وضوءه صلى الله عليه وسلَّم الذي هو دأبه وعادته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير