وهذا لقرينة دالّة على ذلك، وهو ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلَّم من:
أ/ حديث المقدام بن معد يكرب قال: «أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا». رواه أحمد في مسنده (132/ 4) وأبوداود في سننه (88/ 1) بإسناد صحيح. قال الشوكاني: في نيل الأوطار (125/ 1)» إسناده صالح «.
ب/ حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يَأْتِينَا فَحَدَّثَتْنَا أَنَّهُ قَالَ: «اسْكُبِي لِي وَضُوءً، فَذَكَرَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم قَالَتْ فِيهِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مُرَتَّبًا يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا». رَوَاهُ أَبُو دَاودَ فِي سُنَنِهِ (90/ 1).
وجه الدلالة منهما، أنّ الحديثين يدلاّن على أنّه صلى الله عليه وسلَّم لم يلتزم الترتيب في بعض المرّات، فهذا دليل على أنّ الترتيب غير واجب ولا مقصود في الآية، ومحافظته صلى الله عليه وسلَّم عليه في غالب أحواله دليل على سنّيّته.
أجيب: أنّ حديث المقدام بن معد يكرب روايته شاذّة لا تعارض الرواية المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه.
قال ابن تيمية: «وعلى فرض صحّته فإنّه لو قيل بسقوط الترتيب بالعذر لتوجّه، وأنّ تاركهما لم يعلم وجوبهما فكان معذورًا بالترك فلم يجب الترتيب في ذلك، كمن ترك غسل وجهه أو يديه لجرح أو مرض وغسل سائر أعضاء الوضوء ثمّ زال العذر قبل انتقاض الوضوء فهذا إذا قيل يغسل ما ترك أوّلاً ولا يضرّه ترك الترتيب كان متوجّهًا على هذا الأصل، بخلاف من لم يعذر كمنكس الأعضاء الظاهرة».
رُدَّ قول صاحب عون المعبود بأنّ ”حديث المقدام روايته شاذّة“ فالظاهر من كلامه هذا أنّه لا يقصد الشذوذ الاصطلاحي عند المحدّثين وإنّما قصد الشذوذ اللغويّ ـ وهو كلّ ما انفرد به عن الجمهور، لأنّ الشاذّ عند المحدّثين هو أن يروي الثقة حديثًا يخالف من هو أوثق منه لفظًا وأكثر ضبطًا وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره.
وحديث المقدام أخبر بما لم يخبر به غيره من الصحابة رضي الله عنهم فيكون من علم وحفظ حجّة على من لم يعلم أو يحفظ.
وله متابع من حديث الربيع بنت معوذ، وتكون الأحاديث الصحيحة المستفيضة في حكاية فعل النبيّ صلى الله عليه وسلَّم في الوضوء حيث وصفت وضوءه مرتّبًا إنّما هو بيان لقول الله تعالى:?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلىَ الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم?الآية.
والقاعدة الأصولية تنصّ على أنّ ما كان من أفعاله عليه الصلاة والسلام بيانًا للكتاب فهو متمّم له ويكون حكمه كحكم ما بيّنه، ولمّا كان الوضوء واجبًا فالأصل أنّ جميع أفعاله صلى الله عليه وسلَّم المنقولة في بيان كيفية الوضوء واجبة، لأنّ بيان الواجب واجب، وأكّد هذا قوله صلى الله عليه وسلَّم لمّا توضّأ مرّة مرّة ثمّ قال: «هَذَا وُضُوءٌ لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةً إِلاَّ بِهِ»، إلاّ أنّ هذا ليس على وجوبه لوجود قرينة صارفة عنه وهما حديثا المقدام والربيع.
3 - الدليل من الأثر:
وذلك ما روى عبد الله بن عمرو بن هند قال قال عليّ رضي الله عنه: «ما أبالي إذا أتممت بأيّ أعضائي بدأت» عنَى بذلك عدم المبالاة من تقديم بعض أعضاء الوضوء على بعض، فلا يدلّ ذلك على نفي استحباب غسل اليمين قبل الشمال.
أجيب أنّ الدارقطني قال: «إنّ في سنده عوفًا ليس بقويّ».
وعن عبد الله بن مسعود أنّه قال: «لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك».
أجيب أنّ الدارقطني قال: «هذا مرسل لا يثبت».
وعن عبد الله بن مسعود أنّه سئل عن رجل توضّأ فبدأ بمياسره فقال: «لا بأس صحيح».
¥