" من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "
وبالنظر إلى المعلومات السابقة:
هل قصد الحنفية مخالفة هذه القاعدة!!؟
الزنجاني نفسه يذكر أنهم خالفوا القاعدة عند مناقشتهم لمسألة تبييت النية للصوم المفروض.
وبعد نظري في كتب الأصول: رأيت أن العلماء قاموا بنفس التصرف الذي قام به الزنجاني:
1 - قال الآمدي:
" المسألة الرابعة ومن التأويلات البعيدة قول أصحاب أبي حنيفة في قوله (ص): لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل إن المراد به صوم القضاء والنذر، من حيث (1) إن الصوم نكرة، وقد دخل عليه حرف النفي، فكان ظاهره العموم في كل صوم.
والمتبادر إلى الفهم من لفظ الصوم إنما هو الصوم الاصلي المتخاطب به في اللغات، وهو الفرض والتطوع (2) دون ما وجوبه بعارض، ووقوعه نادر، وهو القضاء والنذر.
ولا يخفى أن إطلاق ما هو قوي في العموم، وإرادة ما هو العارض البعيد النادر وإخراج الاصل الغالب منه، إلغاز في القول."
2 - وقال ابن حزم:
" وأما من قال: لا صلاة لمن لم يقرأ و: لا صيام لمن لن يبيته من الليل إنما معناه لا صلاة كاملة، فهذه دعوى لا دليل عليها، وأيضا فلو صح قولهم لكان عليهم لا لهم، لان الصلاة إذا لم تكن كاملة فهي بعض صلاة، وبعض الصلاة لا تقبل إذا لم تتم، كما أن صيام بعض يوم لا يقبل حتى يتم اليوم، فإن قال: إنما معناه أنها صلاة كاملة، إلا أن غيرها أكمل منها، فهذا تمويه، لان الصلاة إذا تمت بجميع فرائضها فليس غيرها أكمل منها في أنها صلاة، ولكن زادت قراءته وتطويله الذي لو تركه لم يضر، ولا سميت صلاته دون ذلك ناقصة، وقد أمر تعالى بإتمام الصيام وإقامة الصلاة، فمن لم يقمها ولا أتم صيامه فلم يصل ولا صام، لانه لم يأت بما أمر به، وإنما فعل غير ما أمر به، والناقص غير التام.
وقد قال (ص): من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وليس هذا مما يكتفى به في إقامة الصلاة وإتمام الصيام فقط، لكن كل ما جاءت به الشريعة زائد أبدا ضم إلى هذا."
3 - وقال الغزالي:
" مَسْأَلَةٌ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ} حَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَالنَّذْرِ.
فَقَالَ أَصْحَابُنَا: قَوْلُهُ: {لَا صِيَامَ} نَفْيٌ عَامٌّ لَا يَسْبِقُ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ إلَّا الصَّوْمُ الْأَصْلِيُّ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْفَرْضُ، وَالتَّطَوُّعُ، ثُمَّ التَّطَوُّعُ غَيْرُ مُرَادٍ فَلَا يَبْقَى إلَّا الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الدِّينِ، وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ، وَالنَّذْرُ فَيَجِبُ بِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ، وَلَا يُتَذَكَّرُ بِذِكْرِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا، وَلَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ بَلْ يَجْرِي مَجْرَى النَّوَادِرِ كَالْمُكَاتَبَةِ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَيْسَ نُدُورُ الْقَضَاءِ، وَالنَّذْرِ كَنُدُورِ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَسْبَقَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ، فَيَحْتَاجُ مِثْلُ هَذَا التَّخْصِيصِ إلَى دَلِيلٍ قَوِيٍّ، فَلَيْسَ يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ كَظُهُورِ بُطْلَانِ التَّخْصِيصِ بِالْمُكَاتَبَةِ."
وبالنظر لكلام العلماء السابق نجد انهم لم ينسبوا للحنفية مخالفة القاعدة السابقة الذكر.
والحقيقة التي توصلت إليها أن الحنفية كانوا يحاولون الجمع بين الأحاديث، ولم يتعرضوا للقاعدة السابقة بقصد مخالفتها، والدليل على ذلك:
1 - قال الطحاوي في شرح معاني الآثار:
فَهَذَا الصِّيَامُ الَّذِي يُجْزِئُ فِيهِ النِّيَّةُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، الَّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ، الَّذِي ذَكَرْنَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِهِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ، هُوَ صَوْمُ التَّطَوُّعِ.
¥