تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اشتمل كتاب "الرسالة" على أكثر مباحث الشافعي الأصولية، لكنه لم يشتمل عليها كلها، بل للشافعي مباحث مستقلة غيرها في الأصول (9).

فمن ذلك كتاب "جماع العلم" (10) الذي اشتمل على حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها، وحكاية قول من ردَّ خبر الواحد، ومناظرة في الإجماع، وغير ذلك، وقد كان تأليفه له بعد كتاب "الرسالة" (11) ومن ذلك كتاب "اختلاف الحديث"

(12) فقد ألفه بعد كتاب جماع العلم (13) وبيَّن فيه أنواع الاختلاف الوارد في الأحاديث النبوية، وبوَّبه تبويبًا فقهيًّا.

وللشافعي –أيضًا- كتاب "صفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم" (14)، وكتاب "إبطال الاستحسان" (15). أما الكلام على كتاب "الرسالة" فسيأتي لاحقًا إن شاء الله تعالى.

لقد وضع الشافعي اللبنة الأولى في تدوين علم الأصول، وأوضح معالم هذا الفن وجلَّى صورته.

والإمام الشافعي فيما فعل كان مقتفيًا بأثر من قبله، متبعاً لا مبتدعاً، اعتمد فيه على هدي الكتاب والسنة، وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم، وآثار الأئمة المهتدين، واستفاد –أيضاً- من علم العربية وأخبار الناس، والرأي والقياس، ولعل أهم القضايا الأصولية التي قررها الشافعي، وسعى إلى بيانها في آثاره التي بين أيدينا:

1 - بيان الأدلة الشرعية، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وتوضيح مراتبها.

2 - إثبات حجية السنة عموماً، وتثبيت خبر الواحد خصوصًا، وبيان أنه لا تعارض بين الكتاب والسنة، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

3 - بيان وجوب اتباع سبيل المؤمنين.

4 - تحديد ضوابط الأخذ بالرأي، وشروط استعمال القياس.

5 - إبطال القول على الله بلا علم، دون حجة أو برهان.

6 - التنبيه على أن القرآن نزل بلغة العرب، وأن فيه عدداً من الوجوه الموجودة في اللسان العربي.

7 - بيان الأوامر والنواهي.

8 - ذكر الناسخ والمنسوخ.

هذا فيما يتعلق بجهود الإمام الشافعي وآثاره.

ثم تتابعت بعد ذلك جهودُ علماء أهل السنة، وكانت معظم هذه الجهود في هذه المرحلة الزمنية تتركز على الاعتصام بالكتاب والسنة.

فمن ذلك:

"رسالة الإمام أحمد في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم" (16)، وكتاب "أخبار الآحاد"، وكتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" كلاهما من الجامع الصحيح للإمام البخاري (17)، وما صنفه خطيب أهل السنة الإمام ابن قتيبة (18) وكتاب "تأويل مشكل القرآن" (19) وكتاب مختلف الحديث (20).

وغير ذلك مما كتبه أئمة السلف (21) في كتب العقائد والرد على الفرق الضالة، حيث قرروا وجوب التمسك بالكتاب والسنة، وأقاموا لهذا الأصل العظيم الأدلة والشواهد الشرعية.

وخلاصة القول:

أنه قد تم في هذه المرحلة تدوين علم أصول الفقه، وذلك على يد الإمام الشافعي الذي كان أهلاً للقيام بهذا الدور العظيم؛ لما اجتمع فيه من علم الكتاب والسنة وفقه الاستنباط وعلم اللغة، إضافة إلى ما أوتي من عقل وذكاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

ثم بعد ذلك جاءت جهود العلماء متممة لما بدأه الشافعي، خاصة فيما يتعلق بوجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، فكانت هذه الجهود وتلك بمثابة الخطوط العريضة لمنهج أهل السنة والجماعة والقواعد العامة لطريقتهم في أصول الفقه، وكان لهذه المرحلة الزمنية الأثر البليغ والتأثير العظيم في جهود العلماء اللاحقة، كما سيظهر ذلك جليِّا في المرحلة الثانية والثالثة.

المرحلة الثانية:

تبدأ هذه المرحلة من أوائل القرن الخامس، وحتى نهاية القرن السابع على وجه التقريب، وقد برز في هذه المرحلة إمامان:

إمام أهل السنة في المشرق الخطيب البغدادي صاحب كتاب "تاريخ بغداد".

وإمام أهل السنة في المغرب أبو عمر بن عبد البر (22) صاحب كتاب "التمهيد".

أما حافظ بغداد فقد صنف في أصول الفقه كتاب "الفقيه والمتفقه" الذي جعله نصيحه لأهل الحديث. ويعد هذا الكتاب امتداداً لكتاب الرسالة للشافعي، ثم إنه أضاف فيه قضايا جدلية ومباحث متعلقة بأدب الفقه، وسيأتي الكلام لاحقًا على هذا الكتاب (23).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير