تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما حافظ الأندلس فقد صنف كتاب "جامع بيان العلم وفضله" استجابة لمن سأله عن معنى العلم، وعن تثبيت الحجاج بالعلم، وتبيين فساد القول في دين الله بغير فهم، وتحريم الحكم بغير حجة، وما الذي أجيز من الاحتجاج والجدل وما الذي كره منه؟ وما الذي ذم من الرأي وما حمد منه؟ وما يجوز من التقليد وما حرم منه؟ فأجابه الشيخ إلى ما سأل قائلاً:

"ورغبت أن أقدم لك قبل هذا من آداب التعلم، وما يلزم العالم والمتعلم التخلق به والمواظبة عليه، وكيف وجه الطلب، وما حمد ومدح فيه من الاجتهاد والنصب إلى سائر أنواع الآداب التعلم والتعليم وفضل ذلك، وتلخيصه بابًا بابًا مما روي عن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين لتتبع هديهم، وتسلك سبيلهم، وتعرف ما اعتمدوا عليه من ذلك مجتمعين أو مختلفين في المعنى منه، فأجبتك إلى ما رغبت (24).

ومما مضى تبين أن الكتاب يبحث في موضوعين:

الأول: في فضل العلم وآداب أهله.

الثاني: في مباحث أصولية.

استغرق الموضوع الأول نصف الكتاب الأول تقريبًا.

وكان من أبرز المباحث الأصولية التي تكلم عليها في النصف الآخر من الكتاب:

* أصول العلم: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.

* ما جاء في أن العلم هو ما كان مأخوذاً عن الصحابة، وما لم يؤخذ عنهم فليس بعلم.

* الاجتهاد والقياس.

* التقليد والاتباع.

* الفتوى.

* موضع السنة من الكتاب وبيانها له.

ويلاحظ استفادة ابن عبد البر من مروياته الحديثية، ومن النقل عن أئمة المالكية (25)، وحرصه على نقل ما عليه سلف الأمة، وهو يعقب –في الغالب- على ما يروي من آثار وأحاديث، وعلى ما ينقل بقوله: "قال أبو عمر" أو "قلت" (26).

وقد نقل ابن عبد البر من كتب الشافعي في مواضع (27).

وفي الجملة فإن هذا الكتاب مليء بالآثار والنقول المسندة عن عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم، ومشتمل على أقوال ثلة من أهل العلم المتقدمين. والكتاب بحاجة إلى دراسة حديثية لآثاره وأسانيده (28)، وتنظيم طباعي، وتحقيق علمي لمباحثه الأصولية، ومقدمة دراسية عن المؤلف وكتابه، وفهارس دقيقة متنوعة.

وقد ظهر في هذه المرحلة أيضًا كتابان:

الأول: كتاب "تقويم الأدلة" لأبي زيد الدبوسي (29).

والثاني: كتاب "المستصفى" للإمام الغزالي (30).

وكلا هذين الكتابين يمثل اتجاهًا مستقلاً في أصول الفقه.

فالأول يقول عنه ابن خلدون (31): "أما طريقة الحنفية فكتبوا فيها كثيراً، وكان من أحسن كتابة فيها للمتقدمين تأليف أبي زيد الدبوسي" (32).

وقال أيضاً: "وجاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم –أي الحنفية- فكتب في القياس بأوسع من جميعهم، وتمم الأبحاث والشروط التي يُحتاج إليها فيه. وكملت صناعة أصول الفقه بكماله، وتهذيب مسائله وتمهدت قواعده" (33).

وأما الثاني وهو كتاب "المستصفى" فإنه يعتبر واسطة العقد في كتب المتكلمين الأصولية، فهو جامع لما سبقه من مؤلفات أصولية، وما بعده لا يخلو من الاستفادة منه، وبه اكتملت أركان علم الأصول، وفيه نضجت مباحثه وتمت مسائله (34).

وقد أحسن أهل السنة التعامل مع هذين الكتابين المهمين، والاستفادة مما فيهما.

أما كتاب "تقويم الأدلة" للدبوسي فقد تصدَّى له أبو المظفر ابن السمعاني (35) في كتابه قواطع الأدلة (36).

قال أبو المظفر في مقدمة هذا الكتاب:

"وما زلت طول أيامي أطالع تصانيف الأصحاب في هذا الباب وتصانيف غيرهم، فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهر من الكلام، ورائق من العبارة، ولم يداخل حقيقة الأصول على ما يوافق معاني الفقه.

ورأيت بعضهم قد أوغل وحلل وداخل، غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل، وسلك طريق المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير، ولا نفير ولا قطمير.

فاستخرت الله تعالى عند ذلك، وعمدت إلى مجموع مختصر في أصول الفقه أسلك فيه طريقة الفقهاء، من غير زيغ عنه ولا حيد، ولا جنف ولا ميل، ولا أرضى بظاهر من الكلام، ومتكلف من العبارة، يهول على السامعين، ويسبي قلوب الأغتام (37) الجاهلين، لكن أقصد لباب اللب، وصفو الفطنة، وزبدة الفهم، وأنص على المعتمد عليه في كل مسألة، وأذكر من شبه المخالفين بما عولوا عليه.

وأخص ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي في "تقويم الأدلة" بالإيراد، وأتكلم عليه بما تزاح معه الشبهة، وينحل به الإشكال، بعون الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير