وهذا الإستعمال إستبعده الغزالي من جهة وضع اللسان، وعلل ذلك بقوله: (فإن السبب في الوضع عبارة عما يحصل الحكم عنده لا به، ولكن هذا يحسن في العلل الشرعية لأنها لا توجب الحكم لذاتها بل بإيجاب الله تعالى ولنصبه هذه الأسباب علامات لإظهار الحكم، فالعلل الشرعية في معنى العلامات المُظهرة، فشابهت ما يحصل الحكم عنده) [27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn27) .
وقد نقل هذه الإطلاقات الأربعة الإمام الزركشي عن الإلكيا الهراسي الشافعي [28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn28) .
ومن هذا نخلص إلى أن الإطلاق الأول للفقهاء للسبب بإزاء ما يقابل المباشرة الفرق فيه واضح كما في مسألة الحفر والتردية فحينئذ فرّق بينهما حقيقة وحكماً، فالحفر للبئر سبب، والتردية علة وكل واحد منهما يخالف الآخر في الحقيقة لأن حقيقة حفر البئر تغاير حقيقة الدفع والتردية فافترقا في الحقيقة كما افترقا في الحكم عند الفقهاء فأوجبوا القصاص على المردي وهو صاحب العلة دون الحافر.
وبهذا تكون العلة عندهم مفترقة عن السبب حقيقة وحكماً [29] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn29) في هذا الوجه، وأما في بقية الوجوه الثلاثة فإنهم استعملوا السبب والعلة بمعنىً واحد في أحدها دون الثاني والثالث حيث استعملوه بمعنى العلة ناقصة بدون شرطها، واستعملوه بمعنى علة العلة.
الخاتمة:
توصلت من خلال بحثي إلى النتائج التالية:
أولاً:
أن هناك فرقاً بين السبب والعلة من جهة المصطلح اللغوي لكل منهما، وأن علماء اللغة والنحو استعملوهما في مصطلحين متغايرين.
ثانياً:
أن هناك فرقاً بين السبب والعلة من جهة المصطلح الكلامي من وجهين:
أحدهما: أن السبب ما يحصل الشيء عنده لا به، والعلة ما يحصل الشيء به.
الثاني: أن المعلول متأخر عن العلة بلا واسطة ولا شرط يوقف الحكم على وجوده، والسبب إنما يقتضي الحكم بواسطة أو بوسائط، ولذلك يتراخى الحكم عنها حتى توجد الشرائط وتنتفي الموانع، وأما العلة فلا يتراخى الحكم عنها إذا اشترط لها بل هي أوجبت معلولاً باتفاق.
ثالثاً:
أن هناك فرقاً بين السبب والعلة من جهة المصطلح الأصولي فالعلة في لسانهم تطلق على المظنة، أي: الوصف المتضمن لحكمة الحكم، وتارة يطلقونها على حكمة الحكم، أما السبب فلا يطلق إلا على مظنة المشقة دون الحكمة إذ بالمظنة يُتوصل إلى الحكم لأجل الحكمة.
رابعاً:
أن هناك فرقاً بين العلة والسبب عند الفقهاء في أحد إطلاقاتهم الأربعة حيث استعملوا السبب بمعناه الذي يقابل المباشرة كما في مسألة إجتماع السببية والمباشرة في القتل بالتردية، وتعتبر المباشرة بمثابة العلة فهما هنا متغايران، وأطلقوا السبب والعلة بمعنىً واحد فاتفقا.
وأطلقوه بمعنى العلة ناقصة بدون شرطها، أو بمعنى علة العلة.
قائمة المصادر [30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn30)
1_ المستصفى لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق محمد الأشقر، ط. الرسالة الأولى 1417 هـ.
2_ روضة الناظر وجنة المناظر لأبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي، تحقيق عبد الكريم النملة، ط. العاصمة السادسة 1419 هـ.
3_ شرح مختصر الروضة لأبي الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق عبد الله التركي، ط. الرسالة الرابعة 1424 هـ.
4_ البحر المحيط لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، تحقيق عبد الستار أبو غدة، ط. وزارة الشؤون الإسلامية الكويتية الثانية 1413 هـ.
5_ مختار الصحاح للرازي.
6_ لسان العرب لابن منظور محمد بن مكرم، ط. الحديث القاهرة 1423 هـ.
7_ التحبير شرح التحرير لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، تحقيق أحمد السراح، ط. الرشد الأولى 1421 هـ.
8_ شرح الكوكب المنير لابن النجار الفتوحي الحنبلي، تحقيق نزيه حماد، محمد الزحيلي، ط. العبيكان 1418 هـ.
9_ شرح العضد على ابن الحاجب لعضد الدين الإيجي الشافعي، ط. الأزهرية.
10_ كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري.
11_ شرح المحلي على جمع الجوامع. ط. البابي الحلبي الثانية 1356هـ.
12_ الموافقات للإمام الشاطبي، تحقيق مشهور آل سلمان، ط. ابن عفان.
¥