رابعاً: حجية الإجماع:
أكثر المذاهب الإسلامية ترى حجية الإجماع الشرعي ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج والإمامية من الشيعة وطائفة من المرجئة والنظام المعتزلي كما سيأتي إن شاء الله.
وقد قرر حجية الإجماع الأصوليون من أتباع المذاهب الأربعة وهذه نماذج من أقوالهم:
المذهب الحنفي:
قال أبو بكر الرازي (الجصاص): (اتفق الفقهاء على صحة إجماع الصدر الأول وأنه حجة الله لا يسع من يجيء بعدهم خلافه، وهو مذهب جلِّ المتكلمين)
وقال السرخسي: (اعلم أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قطعاً كرامةً لهم على الدين)
وقال: (اجتماع هذه الأمة حجةٌ شرعاً كرامةً لهم على الدين)
المذهب المالكي:
- قال القرافي: (وهو حجة عند الكافة)
- وقال ابن جزي الغرناطي في تقريب الوصول: (والإجماع حجة عند الجمهور)
المذهب الشافعي:
- قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في البرهان: (ما ذهب إليه الفرق المعتبرون من أهل المذاهب أن الإجماع في السمعيات حجة)
- وقال الشيرازي: (وهو حجةٌ من حجج الشرع ودليلٌ من أدلة الأحكام مقطوعٌ على مغيبه)
- وقال الفخر الرازي في المحصول: (إجماع أمه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجة خلافاً للنظام والشيعة والخوارج)
- وقال الآمدي في الإحكام: (اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم وخالف في ذلك الشيعة والخوارج والنظام)
المذهب الحنبلي:
- قال القاضي أبو يعلى: (الإجماع حجةٌ مقطوعٌ عليها، يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته)
- وقال ابن قدامة في روضة الناظر: (والإجماع حجة قاطعة عند الجمهور)
إذا علم هذا فإن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى حجية الإجماع خلافاً للنظام من المعتزلة والخوارج والإمامية من الشيعة وطائفة من المرجئة.
وقد استدل الأكثر لحجية الإجماع بالكتاب والسنة:
أ / أدلة الكتاب:
1 – قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} دلت هذه الآية على حجية الإجماع من وجهين:
الوجه الأول: من قوله: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} حيث وصفهم بأنهم، وسط والوسط في اللغة العدول الخيار وفي هذا تزكية لهم، والعدول الخيار لا يتفقون على باطل.
الوجه الثاني: من قوله: {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} حيث نصبهم الله شهوداً وقبل شهادتهم على غيرهم وجعلهم حجة على الناس في قبول أقوالهم كما جعل الرسول حجة علينا في قبول قوله علينا.
2 – قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}
ووجه الاستدلال: أنه تعالى نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق فكان منهياً عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجةً سوى النهي عن مخالفته.
3 – قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}
وجه الاستدلال: أنه تعالى أخبر أن هذه الأمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و (أل) في المعروف والمنكر تقتضي الاستغراق أي أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر فإذا أمروا بشيء فلا بد أن يكون معروفاً وإذا نهوا عن شيء فلا بد أن يكون منكراً، وإذا كانوا بهذا الوصف فإنه يجب قبول قولهم وهذا هو معنى حجية الإجماع.
4 – قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى ونصله جهنَّم وساءت مصيراً}
وجه الاستدلال: أنه تعالى توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين وهو إجماعهم بالوعيد الشديد وقرن ذلك بمشاقة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولو لم يكن ذلك محرماً لما توعد عليه ولما حسن الجمع بينه وبين المحرم من مشاقة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في التوعد.
وهذه الآية استدل بها الإمام الشافعي _ رحمه الله _ في إثبات حجية الإجماع وهو أول من استدلَّ بها.
5 – قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول}
وجه الاستدلال: أنه تعالى أمر بالرد إلى الكتاب والسنة في حال التنازع فيفهم منه أنه إذا لم يوجد التنازع فالاتفاق على الحكم كافٍ، فالآية دلت على حجية الإجماع بالمفهوم.
¥