3 - أن الأمة إذا اختلفت على القولين واستقرَّ خلافهم في ذلك بعد تمام النظر والاجتهاد فقد انعقد إجماعهم على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين باجتهادٍ أو تقليدٍ، وهم معصومون من الخطأ فيما أجمعوا عليه فلو أجمع من بعدهم على أحد القولين على وجه يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر ففيه تخطئة أهل العصر الأول فيما ذهبوا إليه.
4 - أنه قد ثبت أن أهل العصر الأول إذا اختلفوا على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث وأهل العصر الأول لما اختلفوا لم يكن القطع بذلك الحكم قولاً لواحد منهم فيكون القطع بذلك إحداثاً لقول ثالث وأنه غير جائز.
أدلة القول الثاني: استدل من قال يكون إجماعاً و يرتفع الخلاف بأدلة منها:
1 – أن هذا اتفاق جميع الأمة وجميع المؤمنين وعموم الأدلة تقتضي أنه إجماع ولا دليل على تخصيصه بما لم يسبقه خلاف.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: أن هذا يمكن أن يستدل به عليكم وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على جواز الاجتهاد في الحادثة وجواز تقليد كل واحد من الفريقين فمن قطع الاجتهاد فيه فقد ترك سبيل المؤمنين وكان الوعيد لاحقاً به.
الثاني: أن هذه النصوص عامة مخصوصة بإجماع الصحابة على تجويز الأخذ بالقولين ومنع الإجماع فيه على أحدهما ضمناً.
2 – حصوله فقد اتفق التابعون على ما اختلف فيه الصحابة ومن ذلك: المنع من بيع أمهات الأولاد بعد اختلاف الصحابة فيه على قولين: المنع والجواز، وإجماع التابعين على تحريم المتعة بعد أن اختلف فيها الصحابة على قولين.
وأجيب بمنع حصول الاتفاق في بيع أمهات الأولاد بل هو مستمر وقد أخذ بقول علي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - داود وهو أحد قولي الشافعي.
الترجيح: الراجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو أنه لا يكون إجماعاً، ولا يرتفع به الخلاف علماً بأن حصول هذا الإجماع متعذر، وذلك أن رجوع قوم وهم جم غفير إلى قول أصحابهم حتى لا يبقى على ذلك المذهب الثاني أحد ممن كان ينتحله لا يقع في مستقر العادة؛ فإن الخلاف إذا رسخ ثم لم يظهر دليل جديد يجب الحكم بمثله فلا يقع في العرف اندثار مذهب طال الذبُّ والدفاع عنه، وهذا ما مال إليه الجويني في آخر المسألة وهو يوافق ما ذكره ابن حزم والآمدي.
إذا علم هذا فما الجواب عما يذكره كثير من أهل العلم بقوله اختلف في هذه المسألة ثم انعقد الإجماع عليها) أو (كان فيه خلاف ثم استقر الإجماع) ونحو ذلك من العبارات؟
تتبعت كثيراً من المسائل التي قيل فيها ذلك فرأيتها محمولة على ست حالات:
الحالة الأولى: خلاف التابعين أو من جاء بعد الصحابة وهذا يعتبر خلافاً بعد إجماع الصحابة فالسابق هنا الإجماع ويكون هذا القول شذوذاً وخرقاً للإجماع ويعتذر لقائله بعدم علمه بحصول الإجماع أو خطأ في فهمه لأقوال من سبق أو نحو ذلك من الأعذار ومن أمثلة ذلك:1 – استعمال المسك أو بيعه خالف فيه الحسن وعطاء.
2 – نسخ المتاع إلى الحول للمتوفى عنها زوجها خالف فيه مجاهد.
3 – أن دية المرأة كدية الرجل خالف فيه ابن عليه والأصم.
4 – قراءة القرآن بغير العربية مطلقاً رواية عن أبي حنيفة ورجع عنها، وعند العجز وهو الرواية الثانية وقول الصاحبين.
5 – اشتراط الطهارة لصلاة الجنازة خالف فيه الشعبي فلم ير ذلك.
6 - سجود السهو مرة واحدة وخالف ابن أبي ليلى فرأى تعدده بعدد السهو في الصلاة.
7 – نجاسة البصاق روي عن النخعي كما في مصنف ابن أبي شيبة (وذكر ابن حزم أنه صح ذلك عن سلمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ولم يذكر سنده).
8 - كراهة الوضوء بالماء الآجن روي عن ابن سيرين.
وهذا الأمر كثيراً ما يحدث ممن اشتهر بالشذوذ كربيعة الرأي وابن علية وداود وابن حزم وغيرهم.
الحالة الثانية: ما رجع فيه المخالف قبل أن يستقر الخلاف وعليه فلم يحصل خلاف ثابت مستقر أصلاً وهو كمباحثة المجتهدين في المسألة حتى يتفقوا على قول ومن أمثلة ذلك:
1 – بيع الدرهم بالدرهمين خالف فيه ابن عباس رضي الله عنهما ورجع عن قوله حينما أخبره أبو سعيد الخدري 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - بتحريم ذلك.
2 – جواز نكاح المتعة خالف فيه ابن عباس رضي الله عنهما ورجع عن قوله.
¥