تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد كان لشخصية مالك بن أنس & shy; صاحب المذهب & shy; المتميزة أبلغ تأثير في تحبيب مذهبه إلى الناس عامة والمغاربة؛ ويتضح ذلك لمن يطالع ترجمته وذلك من خلال أخلاقه العالية واهتمامه بالطلبة المغاربة خاصة. فأما أخلاقه: فكان المعروف عنه الكرم ومحبة الناس والتواضع والحرص على الخير والزهد في ما أيدي الناس عامة والولاة إضافة إلى تهيبه الشديد من الفتوى وتحريه الشديد لما ينقل ويرويه من حديث النبي & shy; صلى الله عليه وسلم & shy; وإقباله على ما ينفع وتركه خلاف هذا، مع ما عرف عنه من توقير حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم & shy; وكل هذا وغيره مكنّ حبه من التوطد في قلوب الناس فكانوا لا يخرجون عن حكمه ولا يعقبون على رأيه و لا يفتون ومالك في المدينة.

وأما عنايته بالطلبة المغاربة: فقد كان شديد العناية بالطلبة عموما حتى قال للمهدي لما طلب السماع منه: هذا شيء يطول عليك، ولكن أكتبها لك وأصححها وأبعثها إليك. ولما جاءه كتاب ابن غانم يوصيه بعبد الله بن أبي حسان اليحصبي أكرمه حتى قال عبد الله: فلم أزل عنده مكرَّما. وأما الطلبة المغاربة فلم يكن يزدريهم & shy; كما فعل زُفَرُ بن الهذيل تلميذ أبي حنيفة & shy; الذي كان يزدري عبد الله بن فَرُّوخٍ للمغربية، بل كان يثني عليهم ويقول: إنَّ أهل الأمن والذكاء والعقول من أهل الأمصار ثلاثة: المدينة ثم الكوفة ثم القيروان، فكان لسلوكه هذا الأثر الحسن في نفوس المغاربة. ومما ساعد على نمو هذه العلاقة تفسير العلماء لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم & shy; يُوشِكُ أَن يَضرِبَ النَّاسُ أَكبَادَ الإِبِلِ يَطلُبُونَ العِلمَ فَلاَ يَجِدُونَ أَحَداً أَعلَمَ مِن عَالِمِ المَدِينَةِ فقد قال العلماء أن مالكا بن أنس هو المقصود بالحديث، وكان هذا التفسير بمثابة الحجة الشرعية الدالة على مبلغ علم الإمام مالك، وهذه الميزة لا تتوفر لأي مذهب من المذاهب الأخرى. 2/تأثير التلاميذ والأتباع:

ويتضح تأثيرهم من الناحيتين التاليتين:

2 - 1التأثير الكمي: لقد رزق الله مالكا بن أنس البركة في التلاميذ والأتباع ما لم يرزقه إمام من الأئمة الآخرين؛ فلقد عُدَّ تلاميذه الذين أخذوا عنه العلم بأزيد من ألف وثلاثمائة [1300] تلميذ عدد السيوطي منهم أزيد من تسعمائة [900] رجل بأسمائهم وألقابهم وأنسابهم وبلغ بهم الألف [1000] وطبيعي أن ينشر هؤلاء التلاميذ علم أستاذهم ويدافعوا عن علمهم، وهذا ما حدث بالضبط في المغرب حين نشر أسد بن الفرات وعبد الله بن فروخ ويحي بن يحي الليثي والبهلول بن راشد وزياد بن عبد الرحمن وعلي بن زياد ومن بعدهم.

2 - 2/ التأثير النوعي: وأقصد بذلك ما تمتع به تلامذته وأتباعه من هيبة قوية ومحبة لدى الناس مكنتهم من كسبهم & shy; خاصة العامة & shy; والتأثير فيهم: فلما أراد محمد بن مقاتل العكي & shy; وكان واليا & shy; ضرب البهلول بن راشد & shy; الفقيه المالكي & shy; رمى الناس أنفسهم عليه حماية له من السياط. كذلك وقف عبد الله بن غانم ضد إبراهيم بن الأغلب من أجل استرداد أموال الناس التي أخذها الأمير ظلما وحمدها له الناس واغتبطوا به.ومن أمثلة هذا ما جاء في ترجمة العالم سحنون قالوا: اجتمعت فيه خلال قلما اجتمعت في غيره:الفقه البارع، والورع الصادق،الصرامة في الحق، الزهادة في الدنيا ولم يكن يهاب السلطان في حق يقوله. 3/تشابه بيئتي الحجاز والمغرب من الناحية الاجتماعية:

وهو ما عبر عنه ابن خلدون بمناسبة البداوة بين أهل الحجاز وأهل المغرب حيث قال: "وأيضا فالبداوة التي كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى الحجاز أميل بمناسبة البداوة ورغم كل ما أثاره هذا القول من آثار وزوابع كلامية فإن جانبا منه صحيح يكمن في التشابه بين البيئتين من حيث أن تأثير الحضارات المجاورة/الوافدة لم يكن بشكل فعال فإذا كان العربي لا يرضى أن يتشبه برومي أو مجوسي ولا يقبله أن يكون حاكما عليه ومصدرا لقيمه له، فكذلك البربري لم يرض يوما بوجود البيزنطيين ولا الوندال وغيرهم، فالبيئتان صنعتا نفسيهما بأنفسهما دون تأثير كبير من بيئات أجنبية على عكس بيئات إسلامية قريبة كالعراق والشام التي صنعت شخصياتها من تثاقف حضارات وافدة ومجاورة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير