ومما يدل علي أن أقوال مالك كانت منتشرة ومعروفة في طرابلس في وقت سحنون, قوله لسليمان بن سالم لما أراد الخروج إلي الحج: إنك تقدم طرابلس, وقد كان فيها رجال, ثم تقدم إلي مصر وبها الرواة, ثم تقدم المدينة, وهي عش مالك, ثم تقدم مكة فاجتهد مجهودك, فإن قدمت علي بلفظة خرجت من دماغ مالك ليس عند شيخك أصلها, فاعلم أن شيخك كان مفرطا.
ونتوقف قليلا عند قول سحنون: (فيها رجال) عند ذكره طرابلس , هذه الكلمة لها معناها. فقد فرق بين من في طرابلس وبين من في مصر, فوصف الأخيرين بأنهم رواة, وهذا يعني النقل لا غير. أما كلمة رجال فأحسب أنه يريد وصفين النقل والاجتهاد. وكلام سحنون يؤيد ما قلناه آنفا عن الدكتور أحمد مختار عمر بأنه أقام في طرابلس مدة في طريقه إلي القيروان; لأن هذا الوصف لا يصدر إلا ممن اختلط بهم وسبر غورهم.
ومما يؤيد ما ذكرناه أن ابن حارث ذكر أن محمد بن عيسى بن رفاعة, من أهل رية سمع المدونة في طرابلس سنة 290 هـ علي ابراهيم بن داوود بن رقيق عن سحنون.
ب) مصادر ثانوية: وإلى جانب الموطأ والمدونة كانت الدراسة منصبة في البلاد الليبية علي كتب أخرى أهمها:
1)) مختصر ابن عبد الحكيم. فقد ورد أن البرقي المذكور سابقا شرح مختصر ابن عبد الحكيم الصغير, والغالب أن من يشرح كتابا يكون قد تصدى لإقرائه.
2)) المعالم الفقهية تأليف علي بن محمد بن زكريا بن الخصيب الأطرابلسي, المعروف بابن زكرون. كان فقيها, محدثا, زاهدا, عالما. توفي سنة 370 هـ. وقد اشتهر هذا الكتاب, واستمر الطلبة يتدارسونه مع الشيوخ زمنا طويلا, فقد أورد لنا التجاني في رحلته نصا يفيد بأن الكتاب محل إقبال الطلبة في طرابلس أواخر القرن السابع ولا نعلم له الآن وجودا.
3)) الكافي في الفرائض, لأبي الحسن علي بن المنمر, الفقيه المالكي, قامع البدع وناصر السنن. المتوفي سنة 432 هـ. وقد حصلت لهذا الكتاب شهرة عظيمة. وقد أفادنا التجاني أيضا أن الكتاب كان متداولا في الدرس في أواخر القرن السابع. ومن حسن الحظ أن بعض المكتبات احتفظت بنسخة منه ينقصها قليل من أولها.
ورغم أن كتاب الكافي له أهمية كبرى في موضوعه, إذ أنه يعتبر من الكتب الأصول في بابه, فهو يعتمد الأمهات في الفقه المالكي, علي الرغم من ذلك فإننا لا نعلم سر ندرة نسخه.
4)) ولا نشك في أن تهذيب البراذعي للمدونة وتأليف أبي محمد بن أبي زيد القيرواني كالرسالة والنوادر, كانت متداوله بين الطلبة في الفترة التي نتحدث عنها; إذ قد سافر بعض علماء طرابلس (ابن المنمر مثلا) إلى القيروان حيث سمع من الفقيه الإمام أبي زيد. لكن كتب كتب التراجم كانت شحيحة فلم تسعفنا بأسماء تلك الكتب, بل شحت بأسماء العلماء أنفسهم.
تذليل بقائمة الفقهاء المالكية في ليبيا منذ نشأة المذهب المالكي إلي أواخر القرن السادس الهجري
وقبل أن أسرد هذه الأسماء أود أن أقدم ثلاث ملاحظات بين يديها:
الملاحظة الأولى: أن عنولن البحث لا يستلزم ذكرهم, لكن رأيت من المفيد أن أذكرهم, لأن كثيرا من القراء لا يعرفون شيئا عنهم, مع التزام الاختصار الشديد واعطاء المصادر لمزيد من التفصيل لمن أراده.
الملاحظة الثانية: سأحاول ذكر من اشتهر بالفقه منهم, لا بغيره من العلوم.
الملاحظة الثالثة: اقصد بالليبي من ولد أو استقر طويلا أو توفي في هذا البلد ولم ألتزم ما رآه البعض من ان النسبة إنما تكون لمن يدفن في بلد ما. ولست بداحض رأي من رأى ذلك, ولكني أردت أن أبين اصطلاحي الذي اعتمدته هنا, ولا مشاحة – كما يقولون – في الاصطلاح.
1 - علي بن زياد العبسي الطرابلسي.
2 - سعيد بن عباد السرتي, أبو عثمان. يعرف بمزغلة. أصله من سرت , وسكن القيروان. من أكابر أصحاب سحنون. توفي سنة 251 هـ.
3 - محمد بن عبدالله بن عبد الرحيم البرقي.
4 - أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن البرقي. كان صاحب حلقة أصبغ. روي عن ابن وهب وشهيب. توفي سنة 245هـ.
5 - عبدالجبار بن خالد بن عمران السرت. من كبار أصحاب سحنون سمع منه أبو العرب وغيره. قال الجبار: ما قرأ سحنون قط كتابا في بادية ولا حاضرة إلا وأنا حاضر. توفي سنة 281هـ. .
6 - حبيب بن محمد الأطرابلسي. سمع من جماعة من أهل بلدة طرابلس , منهم محمد بن معاوية. روي عنه أبومسلم العجلي.
¥