تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومثال اعتبار السياق بهذا المعنى في قوله تعالى:" فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر" [9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn9) فالمراد الزجر والتوبيخ، وليس حقيقة الأمر والتخيير [10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn10)، يدل عليه بقية كلامه جل و علا:"إنا أعتدنا للظالمين نارا" [11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn11).

وسئل طاووس بن كيسان {ت 106} عن المراد بالنفس في قوله تعالى: "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" [12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn12)، فقال: إنما يراد بهذا الكافر، اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك [13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn13).

فهذا السياق بالمعنى المحدود، هو السياق الداخلي الذي يعنى بالنظم اللفظي للكلمة، وموقعها من ذلك النظم، آخذا بعين الاعتبار ما قبلها وما بعدها في الجملة، وقد تتسع دائرته إذا دعت الحاجة، فيشمل الجمل السابقة واللاحقة، بل والنص كله والكتاب كله.

ويمثل للتوسع في الاستدلال بالسياق الداخلي من أجل تحديد معنى اللفظ، صنيع الشاطبي في تفسيره لمعنى الظلم الوارد في قوله تعالى"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون" [14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn14)، فقد شق ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ ـ حيث فهموا من لفظ الظلم المعاصي ـ فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن المراد بالظلم في الآية الشرك، فتلا قوله تعالى "إن الشرك لظلم عظيم" [15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn15)، قال الشاطبي:"فأما قوله تعالى "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" .. الآية، فإن سياق الكلام يدل على أن المراد بالظلم أنواع الشرك على الخصوص، فإن السورة من أولها إلى آخرها مقررة لقواعد التوحيد، وهادمة لقواعد الشرك وما يليه، والذي تقدم قبل الآية قصة إبراهيم عليه السلام في محاجته لقومه بالأدلة التي أظهرها لهم في الكوكب والقمر والشمس، وكان قد تقدم قبل ذلك قوله" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته" [16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn16) فبين أنه لا أحد أظلم ممن ارتكب هاتين الخلتين، وظهر أنهما المعنى بهما في سورة الأنعام" [17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn17) .

وتتجلى أهمية السياق الداخلي في الفصل بين دلالتين مختلفتين لكلمة واحدة واستبعاد معنى دون آخر، إذ إن للفظ دلالته المعجمية خارج السياق، وعند توظيفه داخل نظم من الكلام يكون له دلالة أخرى، فكلمة "السائل" في عبارة " الدواء السائل أسلم للأطفال " هي غيرها في قوله تعالى" والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" [18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn18) والذي يضبط هذه الدلالات للكلمة الواحدة السياق الذي وردت فيه.

فدلالة اللفظ في كل موضع هي بحسب سياقه، بل إنه يتفاوت في دلالته وأدائه الجمالي تبعا لتغاير السياقات التي استخدم فيها، فالكلمة الواحدة كما قال القاضي عبد الجبار " إذا استعملت في معنى تكون أفصح منها إذا استعملت في غيره" [19] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn19).

ولقد كان لعلماء تفسير القرآن الكريم فضل السبق في الكشف عن أثر السياق وأهميته في تحديد معاني الآيات، خاصة عند الافتقار إلى قرائن أخرى معتبرة في فهم المراد من حديث صحيح أو إجماعا صريح، أو غير ذلك من قرائن السياق الخارجي للنص الشرعي، وكتب التفسير خير مجال استحضر فيه السياق دليلا على تحديد معاني كلمات القرآن وآياته، بل كان له دور حاسم في الفصل بين الكثير من الأقوال المحتملة في التفسير، من ذلك على سبيل التمثيل: إنه قد تأتي في بعض الآيات ضمائر متعددة في سياق واحد، وتحتمل في مرجعها أقوالا متباينة كما في قوله تعالى:" وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين" [20]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير