يعني رحمه الله أن القول إذا كان يُفهم المعنى المراد منه دون قابليته لفهم ما عدا المعنى المراد فهذا هو النص في اصطلاح الأصوليين مثل أسماء الأعداد كقوله تعالى (تلك عشرة كاملة) فإنها لا تحتمل الزيادة ولا النقصان
وأما إذا احتمل المعنى المراد به واحتمل معه غيره فإنه يُسمى في الاصطلاح محتملا، ثم يُنظر بعد ذلك إلى درجة الظهور والخفاء في إرادة المعنىالمراد فإن كان راجحا في المعنى المراد وضعا كألفاظ العموم في إرادة العموم والأمر في إرادة الوجوب والنهي في إرادة التحريم وما شابه ذلك سمي ظاهرا قال في الإشارة (55 - 56) (فأما الظاهر فهو ما سبق إلى فهم سامعه معناه الذي وضع له ولم يمنعه من العلم به من جهة اللغة مانع، كألفاظ الأوامرنحو قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (البقرة110) وقوله تعالى (فاقتلوا المشركين) (التوبة5) فهذا اللفظ إذا ورد وجب حمله على الأمر وإن كان يجوز أن يراد به الإباحة ............. إلا أنه أظهر في الأمر من سائر محتملاته فيجب أن يُحمل على أنه أمر إلا ان ترد قرينة تدل على أن المراد به غير الأمر فيعدل عن ظاهره إلى ما يدل عليه الدليل)
وأما إن كانت دلالته على المعنى المراد محتملة ولكنها خفية فيحتاج إلى عاضد من الخارج ليصار إلى المحتمل المرجوح وتُسمى هذه العملية تأويلا وهو متفاوت المراتب كما سوف يأتي ويمكن التمثيل له بحمل لفظ الأمر في قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) (المائدة2) على الإباحة لأن الأمر ظاهر في الوجوب فإذا حمل على الإباحة بدليل خارجي كان ذلك تأويلا وسمي اللفظ هنا مؤولا.
ثم قال الناظم:
وفي الكتاب قد أتت والسنّه=لم يتخلف واحد منهنّه
يعني أن المجمل والمبين بأنواعه الثلاثة النص والظاهر والمؤول قد وردت في الكتاب والسنة خلافا لمن أنكر ورود المجمل في القرآن وهذا منسوب إلى داودابن علي الظاهري (انظر الغيث الهامع (2/ 424) لابن العراقي تحقيق أبو عاصم حسن) وخلافا لمن أنكر وجود النص في الكتاب والسنة وهو محكي عن أبي محمد ابن اللبان (انظر إحكام الفصول للباجي (1/ 195)
وقد تقدمت أمثلة كل نوع،وقد يكون النص الواحد مجملا من جهة مبينا من جهة أخرى وقد اجتمعت الأنواع الثلاثة النص والظاهر والمؤول في آية واحدة هي قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (البقرة228)
فإن لفظ الثلاثة نص،ولفظ المطلقات عموم وهو من أنواع الظاهر ولفظ القروء مجمل)،قال الباجي في إحكام الفصول (1/ 195) في سياق الرد على من أنكر وجود النص:
( .. وهذا غير صحيح لأنه ليس من شرط النص أن لا يَحتمل التأويل من جميع الوجوه وإنما شرطه أن لا يحتمل التأويل من وجه فيكون نصا من ذلك الوجه وإن كان عاما أو ظاهرا أو مجملا من وجه آخر وذلك نحو قوله تعالى: (والذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (البقرة 238) فهذا نص في الأربعة الأشهر وفي العشر وعام في الأزواج)
وعقد صاحب المراقي هذا المعنى فقال:
وقد يجي الإجمال من وجه ومن=وجه يراه ذا بيان من فطن
ثم شرع الناظم رحمه الله في بيان حكم التاويل وبيان أنواعه وأمثلتها فقال:
والأخذ بالتأويل أمر معتبر=لجل أهل العلم حكمه اشتهر
وهو قريب في محل النظر=ومنه ذو بعد وذو تعذر
بالأول العمل باتفاق=ممن به قال على الإطلاق
وقسمه الثاني كأمسك أربعا=يقال جدد أو دع المتبعا
ومثله إطعام ستين على=الاطعام مع تعداد شخص حُملا
وثالث ليس له قبول=وهو الذي تعافه العقول
كمثل ما عن أهل نجران صدر=في مثل نحن وخلقنا ونذر
يعني أن الأخذ بالتأويل الذي هو صرف النص عن ظاهره بدليل أمر معتبر عند جل العلماء ومعمول به عندهم.
والتأويل من حيث هو ثلاثة أقسام:
1 - تأويل قريب وهو ما دل عليه النظر دون تكلف كتأويل قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ... اللآية على أن المراد إرادة القيام كما في قوله تعالى: (وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ... الآية ويكفي لصرف اللفظ عن ظاهره إلى هذا النوع أضعف دليل وقد اتفق جميع القائلين بالتأويل على هذا النوع منه.
2 - تأويل بعيد: ووجه بعده أنه صرف لللفظ عن ظاهره إلى محتمل بعيد الاحتمال بغير دليل ناهض
ومثل له الناظم بمثالين كلاهما من تأويلات الحنفية
المثال الأول:
قال في نيل السول (ص136):
¥