أما الأهواء فإنّ الأهواء هو كل ما أراد به المرء غير الحق، كل ما أراد به المرء ما ينصر به نفسه أو ما يحتال به على الشريعة أو ما هو يشتهيه هو ويريده في أمر الدين أو في أمر الدنيا، والأهواء كثيرة متعدّدة ولذلك جمعت هنا.
والشرع واحد فالشرع يجب أن تطابقه الفتوى، وأما الهواء فهي كثيرة لكل قوم ولكل فئة هوى.
إذا تبين ذلك فإن الله جل وعلا نص في كتابه على كثير من أصول الإفتاء والاستفتاء والحكم والتحاكم، قال جل وعلا في آخر سورة التوبة ?وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ? [التوبة:122] قال ابن حزم رحمه الله على هذه الآية في كتابه الإحكام في أصول الأحكام: بيّن الله جل وعلا في هذه الآية وجه التفقه كله وأنه ينقسم قسمين:
أحدهما يخص المرء في نفسه وذلك مبين في قوله تعالى ?وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ? فهذا معناه تعلمين أهل العلم لمن جهل الحكم بما يلزمه.
والثاني تفقه من أراد وجه الله تعالى بان يكون منذرا لقومه وطبقته قال تعالى ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ? ([1] ([ Link nur für registrierte Benutzer sichtbar]_ftn1)) ففرضٌ على كل أحد طلبُ ما يلزمه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه في تعرّف ما ألزمه الله إياه.
وقال الله جل وعلا فبيان وصف نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ?وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى? [النجم:3 - 4]، فدلت الآية على أن ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحي يوحى إليه، وهذا هو الشرع وأنّ ما يقابله هو الهوى، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات أيضا هنا لقد حصر الأمر في شيئين الوحي وهو الشريعة والهوى فلا ثالث لهما، وإذا كان كذلك فهما متضادان وحين تعيّن الحق في بالوحي توجه للهوى ضده فاتباع الهوى مضادّ للحق.
ومن الآيات في هذا الباب قول الله جل جلاله ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ?، فأوجب على المسلم أن يسأل العالم إذا كان لا يعلم، وهذا الأمر بإيجاب السؤال هذا يتعين عليه أن من لم يعلم العلم المنزّل أو المجتهَد فيه فإنه يجب عليه حينئذ السؤال.
وقال الله جل وعلا أيضا ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً? [النساء:59]، فدلّت الآية على أن هذا الضابط بالرد عند التنازع إلى جل وعلا وإلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
دلّ أولا على أنه هو الواجب.
وثانيا أنه مخلص للإنسان عن الهوى لنه إذا تنازع الناس في شيء فإنه تأتي الأهواء، فإذا كان الحرص على تتبع أمر الله وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنّ المسلم حينئذ يرتفع عن هواه ويذهب إلى شرع الله جل وعلا.
ومن الآيات في هذا قول الهل جل وعلا ?وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ? [النحل:116]، وهذا يبين لكل شدة خطر القول هذا حلال وهذا حرام، كما عُنون في بعض الكتب؛ ألفت بعض الكتب بهوان هذا حلال وهذا حرام، وهذا من أشد الأشياء أن يقال إن المرء لا يجزم بموافقة حكم الله جل وعلا في المسائل الاختلافية أو في المسائل المجتهد فيها.
ولهذا نقول: إن فعل السلف في هذه المسائل هو الورع وهو الدين؛ لأنهم لا يقولون هذا حلال إلا لما اتّضح دليله وأنه حلال بدليل من أدلة الشرع، ولا يقولون هذا حرام إلا إذا اتّضح دليله، وكثير منهم يعبّر بتعبير: أكرهه، لا أحبه، أو يقول لا يجوز هذا، من يفعل هذا، ونحو ذلك، وذلك بُعْدٌ منهم خلوص من استعمال لفظ الحلال ولفظ الحرام.
¥