أما المقلد وهو الذي نقل كلام أهل العلم بلا حجة ولا يعرف من أين أخذوا فقد قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى أجمع العلماء على أن المقلد ليس بعالم؛ يعني الذي يقلد في كل مسألة، ما يعرف الأدلة ما بعرف الاستنباط ما يعرف الراجح من المرجوح في المذهب المعين، من أين أخذ علماء المذهب هذه المسألة؟ ما أصول المذهب؟ ما قواعده في ذلك؟ بمعنى أنه يقبل هكذا لأنه قول صاحب الكتاب الفلاني أو نص عليه في الروض أو التنبيه للشيرازي أو قاله النووي في المجموع ونحو ذلك فهؤلاء مقلدة إذا نصوا على مسألة.
أما إذا اجتهد في مذهب من المذاهب فهذا يقال له مجتهد نسبي.
إذا كان كذلك فالمقلد ليس بعالم، فليس للمقلد أن يفتي.
أما المجتهد المطلق فهذا لاشك أن له حقا أن يفتي لما معه.
أما المجتهد النسبي أو المذهبي فإنه يفتي، ويجب عليه أن يتحرى الحق الموافق لمطابقة هذه الفتوى، ولا يثق بأول خاطر بأن هذه المسألة نصوا عليها مع سعة الوقت للفتوى ويستعجل في الإفتاء؛ بل يجب عليه أن يتأنى فإذا استبان له وتحقق في المسألة بإتقان وإيقان فإنه حينئذ يبين ذلك لمن سأله إذا أراد ذلك.
الفرق الثالث:
الفرق ما بين ترك الفتوى والسكوت عن الحق
لاشك أن الصحابة لم يسكتوا عن حق تعيّن، وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الفتوى طلبا للسلامة.
والفرق بينهما أن ترك الفتوى عند عدم التعين تعين الإفتاء فيها أن هذا يقتضيه الورع وهذا هدي السلف الصالح، أما إذا تعينت عليه بحيث إنه عنده علم وإذا تكلم في المسألة لم يفتِ فإنه يؤول المستفتي إلى الجهل أو يأخذ بالهوى أو بالرأي أو نحو ذلك أو يسأل من لا علم عنده، فحينئذ يلزمه أن يفتي لأنه تعينت عليه ذلك، أما السكوت عن الحق فإن هذا مرتبط بسعة الوقت ومرتبط بالإمكان والمصالح التي يراها والمفاسد، وبالجملة فإن كتمان العلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة هذا سكوت عن الحق في وقته، وهذا يختلف عن الفتوى، فليس لأحد أن يسكت عن بيان الحق باللسان؛ بالأسلوب الشرعي الذي أمر الله جل وعلا به في كتابه وسنّه نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نحو قوله «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من تشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط» كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة في قصة عتق بريرة المعروفة.
المسألة السادسة
قواعد في هذا الأمر
أعني في الفتوى، القواعد كثيرة لكن نأخذ منها المهم بما يناسب المقام.
القاعدة الأولى: لا اجتهاد مع النص.
والعلماء نصوا على هذه القاعدة في كتبهم، وبينوا أن النص إذا ورد فإنه ليس للعالم أن يجتهد؛ لأن الله جل وعلا قد حكم فيها وحكم فيها نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه حينئذ لا قول لأحد بعد ورود قول الله جل وعلا أو قول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهذا تكلم ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، أو معالم الموقعين عن رب العالمين؛ يعني معالم عن طريق الإفتاء للذين يوقعون ويفتون عن رب العالمين تكلّم عنها بكلام طويل في هذا الكتاب.
ومن فروع هذه القاعدة أنه لا تجوز الفتوى على خلاف النص.
وهنا نجد أن هناك اجتهاد مع النص عند كثير من المنتسبين للعلم، والاجتهاد إذا ورد مع النص فله أحوال:
الحال الأولى: أن تكون المسألة المنصوص عليها هي عين المسألة المسؤول عنها، فهذه حينئذ لا يجوز الاجتهاد مع النص في ذلك.
مثلا هل المجلس فيه خيار؟ يعني إذا باع الإنسان بيعا، فهل له خيار المجلس، فهل يجتهد أم لا يجتهد؟ نقول هنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص فقال «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» هنا نأتي لهذا الحديث.
بتمثيل آخر بأن بعض العلماء اجتهدوا مع ورود النص فقالوا لا خيار في المجلس، لماذا؟ قالوا لأن قوله هنا (ما لم يتفرقا) ليس المقصود به التفرق في المجلس ولكن التفرق في القول بإمضاء المشتري شراءه وإمضاء البيع بيعه، وهذا مذهب الإمام مالك، رحمه الله تعالى حتى إن ابن أبي ذئب رحمه الله وكان بينه وبين الإمام مالك بعض ما يكون بين العلماء سئل عن هذه المسألة وقول مالك في إنكار مجلس الخيار والإمام مالك من هو، فقال: يستتاب مالك فإن تاب وإلا قتل. وهو الإمام مالك رحمه الله تعالى، هو لا يريد بهذا إلا أن يشنّع على الذين يريدون أن
¥