يخالفوا النص، لأن النص أعظم من شأن العالم، والعلماء عدوا هذه من أبي ذئب من عباراته التي لا تسلم له.
المقصود هنا أن الاجتهاد مع النص إذا كانت المسألة عين المسؤول عنها موجود في النص فلا يجوز الاجتهاد، أما إذا كان النص محتملا للاجتهاد فحينئذ يكون الاجتهاد ليس في المسألة وإنما الاجتهاد في فهم الدليل وهذا له بحث.
القاعدة الثانية: لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
العلماء نصوا في قواعد هذا الباب على أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها.
وتتبع هذه القاعدة بقاعدة أخرى وهي: لا إنكار في مسائل الخلاف.
وهنا تحتاج هذه إلى شيء من التفصيل أما مسائل الاجتهاد فلا إنكار فيها بمعنى أن المسألة لم يرد فيها دليل من الكتاب أو السنة لم ينص فيها على شيء، ونزلت نازلة واجتهد العلماء فيها، فهنا لا ينكر على المجتهد في هذه المسألة، لا إنكار في مسائل الاجتهاد، أما مسائل الخلاف فمن أهل العلم من قال لا إنكار في مسائل الخلاف، وهذا ليس بجيد وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية وبين تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله أن هذا قول من لم يحقق.
أما أهل التحقيق والدراية بكلام أهل العلم بالفتوى والحكم والاجتهاد والخلاف العالي والنازل فإنهم يقولون لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
أما مسائل الخلاف فهي التي اختلف فيها العلماء، والعلماء اختلفوا في مسائل كثيرة جدا، المسائل المجمع عليها قليلة، أما المسائل المختلف فيها فهي بالألوف كما هو معلوم لمن يعلم الخلاف العالي فضلا على الخلاف النازل.
فهنا هل يقال لا إنكار في مسائل الخلاف نقول: المسألة فيها تفصيل الخلاف على نوعين:
خلاف قوي، وخلاف ضعيف.
أما الخلاف القوي: فهو ما كان المجتهد فيه أو ما كان قائل هذا القول له شبهة من الدليل؛ لكنه اجتهد في فهم الدليل، ولاجتهاده مساغ، فخالف فهذا نقول فيه خلاف قوي.
مثلا زكاة الحلي هل يجوز زكاة الحلي أم ما تجوز زكاة الحلي؟ واحد قال: ما أقول يزكون عن الحلي ما يكون. وآخر يقول: لا لابد يزكون الدليل فيها كذا.
هنا هذه المسألة الخلاف فيها قوي فبذلك لا إنكار فيها.
مسألة قراءة الفاتحة للمأموم وراء الإمام في الصلاة الجهرية واحد يقرأ والآخر لا يقرأ، هل نقول للذي لم يقرأ أعد صلاتك والقراءة في الفاتحة ركن على القول الآخر؟ نقول: لا، هذه من المسائل التي خلاف فيها قوي ولهذا لا إنكار فيها.
وهكذا في مسائل كثيرة.
النوع الثاني المسائل التي الخلاف فيها ضعيف: فيه خلاف ولكنه ضعيف.
من مثل المعازف، سِماع المعازف ولا تقل سَماع؛ سِماع المعازف يعني الإنصات إليها واستماع المعازف، فهذا هناك من قال من التابعين وممن بعدهم قالوا بجواز ذلك، وذهب إليه بعض المشهورين وابن حزم وجماعة وكَتَب بعض أهل العلم في نصرة هذا القول؛ لكن هذا القول وإن كان خلافيا؛ لكنه خلاف في معارضة الدليل، والأدلة واضحة في تحريم هذا الأمر، فحينئذ نقول الخلاف في هذه المسألة ليس قويا؛ بل هو خلاف ضعيف فيه إنكار.
ومنه كشف وجه المرأة السفور إذا كان يفضي إلى الفتنة، فإن العلماء أجمعوا إلا من شذ أن وجه المرأة إذا كان فيها جمال أو أنه يفضي إلى تعرّض الناس لها أو تعرض الفسقة لها أو التلذذ بهذا النظر، فإنه لا يجوز لها الكشف، هذا باتفاق أهل العلم، إلا من شذ فقال الأصل فيه أنه يجوز كشفه، فنقول هنا هذه المسألة لا يقال فيها لا إنكار في مسائل الخلاف؛ لأن الخلاف فيها ضعيف؛ لأن كشف الوجه إذا كان سيفضي إلى شهوة أو إلى فتنة أو إلى تعرض عليها، أو إلى من المفاسد فإنه حينئذ لا ينبغي أن يجعل الخلاف فيه قويا، أو أن الخلاف فيه معتبرا؛ بل يجب أن ينكر في مثل هذه المسائل لأنه يفضي إلى الفتنة.
من القواعد أيضا المهمة في باب الفتوى، هذه قاعدة كلية أجمع عليها العلماء: أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.
الشريعة جاءت بتحصيل المصالح كل مصلحة في دين الناس أو في دنياهم فإن الشريعة جاءت بها وكل مفسدة في دين الناس أو في دنياهم فإن الشريعة جاءت بالنهي عنها، وأصول الشرع وكليات الشرع الخمس تعود إلى هذا سواء كانت هذه الكليات راجعة إلى الضروريات أو راجعة إلى الحاجيات أو راجعة إلى التحسينات كما هو التقسيم المعروف في هذا الباب.
¥