تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

-فهم المفتي النازلة: ينبغي على المفتي أن يفهم الواقعة المراد الفتوى فيها فهما صحيحا ويحيط بجميع ملابساتها وظروف وقوعها، ويقلبها على وجوهها، ويمعن النظر في ألفاظ صاحبها، فإن ذلك من أعظم السبل إلى إدراك وجه الحق فيها، قال ابن القيم: "ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما، والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا".

فالمفتي ابن زمانه وطبيب وقته، فعليه أن يكون مدركا لما يجري حوله، واعيا بقضايا مجتمعه كلها فلا يكفيه فقه النصوص بل لابد من فقه محالها، ومحل النص هو النزول إلى الميدان وإبصار الواقع الذي عليه الناس ومعرفة مشكلاتهم ومعاناتهم واستطاعتهم وما يعرض لهم وما هي النصوص التي تنزل عليهم في واقعهم في مرحلة معينة وما يؤجل من التكاليف لتوفير الاستطاعة، وبمقدار فقه الواقع وبحجم استيعابه وبمقدار إبصار مقاصد النصوص واسرارها ينجح المفتي في تحقيق أغراض الدين وخدمة الدنيا فالدين كما يقول الشاطبي ما وضع إلا لمصالح العباد في العاجل والآجل.

-التفطن لحقيقة السؤال: لا بد للمفتي من التفطن لحقيقة السؤال، فلا يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إلا إذا علم أن السائل إنما سأل عن إحدى تلك الأنواع، بل إذا كانت المسائل تحتاج إلى التفصيل استفصله كما استفصل النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا الأسلمي لما أقر بالزنا. يقول ابن القيم رحمه الله: " فكثيرا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم فالمفتي ترد إليه المسائل في قوالب متنوعة جدا، فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال هلك وأهلك. فتارة ترد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف، فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم ويختلفان بالحقيقة، فيذهل بالصورة عن الحقيقة فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه، وتارة ترد عليه المسألتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة وحكمهما واحد، فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة، فيفرق بين ما جمع الله بينه، وتارة ترد عليه المسألة مجملة تحتها عدة أنواع، فيذهب وهمه إلى واحد منها ويذهل عن المسؤول عنه منها فيجيب بغير الصواب، وتارة ترد عليه المسألة الباطلة في دين الله في قالب مزخرف ولفظ حسن فيتبادر إلى تسويغها وهي من أبطل الباطل وتارة بالعكس".

يقول الإمام القرافي: "ينبغي على المفتي أن لا يأخذ بظاهر لفظ المستفتي العامي حتى يتبين مقصوده، فإن العامة ربما عبروا بالألفاظ الصريحة عن غير مدلول ذلك اللفظ ومتى كان حال المستفتي لا تصلح له تلك العبارة ولا ذلك المعنى فذلك ريبة ينبغي للمفتي الكشف عن حقيقة الحال كيف هو ولا يعتمد على لفظ الفتيا أو لفظ المستفتي، فإذا تحقق الواقع في نفس الأمر ما هو أفتاه وإلا فلا يفتيه مع الريبة، وكذلك إذا كان اللفظ ما مثله يسأل عنه ينبغي أن يستكشف ولا يفتي بناء على ذلك اللفظ فإن وراءه في الغالب مرمى هو المقصود ولو صرح به امتنعت الفتيا".

-التثبت والتحري في الفتوى: وأن لا يقطع بالحكم في المسألة إلا بعد روية وتدبر فإن لم يعلم حكمها أو خفي عليه دليلها التزم قول لا أدري وشاور أهل العلم معه في ذلك قال مالك رضي الله عنه"ما شيء أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام لأن هذا هو القطع في حكم الله، ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه، ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام فيها والفتيا، ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدا لقللوا من هذا، وقال: لا يفتي مفت حتى يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف يكون خلاصه في الاخرة، وقد سأل رجل مالكاً فلم يجبه فقال له: يا أبا عبد الله أجبني فقال: ويحك تريد أن تجعلني حجة بينك وبين الله فأحتاج أنا أولاً أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك، وكان يقول في أكثر ما يسأل عنه: لا أدري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير