عقب الشيخ - رحمه الله - بقوله: " لم يرد في النصوص نسبة الجهة إلى الله نفيا ولا إثباتا، ثم هي كلمة مجملة تحتمل حقا وباطلا فإن إثباتها لله يحتمل أن يراد به أنه تعالى فوق عباده مستو على عرشه وهذا حق، ويحتمل أن يراد به أنه يحيط به شيء من خلقه وهذا باطل، ونفيها عن الله تعالى يحتمل نفي علوه على خلقه، واستوائه على عرشه، وهذا باطل، ويحتمل تنزيهه عن أن يحيط به شيء من خلقه وهذا حق، وإذن لا يصح نسبة الجهة إلى الله نفيا ولا إثباتا؛ لعدم ورودها، ولاحتمالها الحق والباطل "
[تعليق رقم 1، 1\ 283 من الإحكام] وانظر تعليقا آخر للشيخ حول الجهة في تعليق رقم 1، 4\ 106 منه.
هذه مجموعة من النماذج على المَعْلَم الأول والرئيس في منهج الشيخ - رحمه الله - وهو عنايته بإبراز عقيدة السلف، والرد على المخالفين لها، وقد تبين فيها إبراز عقيدة السلف في الصفات والقرآن، وعلم الله سبحانه وكلامه والرؤية والقدر وإثبات الجهة وغيرها.
وهناك نماذج أخرى سواها تركتها إيثارا للاختصار، وسأحيل إلى موضعها إن شاء الله.
المبحث الثاني:
المعلم الثاني: عنايته بالنصوص وصحة الأحاديث والآثار:
وهذا من المعالم المهمة في منهج الشيخ - رحمه الله - بل من المرتكزات والأسس التي بنى عليها - رحمه الله - منهجه الأصولي، وإذا كان كثير من الأصوليين يبنون منهجهم على مدارس كلامية عقلية أو مذهبية فقهية فالشيخ - رحمه الله - يرفع لواء تعظيم النصوص والأدلة النقلية والتركيز على الاستدلال بها، والاستنباط منها، وطرح كل ما يخالفها، ومن النماذج على ذلك تعقبه الآمدي - رحمه الله - عند مقابلته الدليل العقلي بالشرعي حينما ذكر بعض الأمور المجمع عليها عقلا وشرعا ومثل لذلك برؤية الرب سبحانه لا في جهة. [1\ 283 من الإحكام]
قال الشيخ - رحمه الله - ما نصه: ". . . ثم مقابلة العقلي بالشرعي تشعر بأن رؤية الله وتنزيهه عن الشريك ونحوهما إنما ثبت بالدليل العقلي لا بدليل الشرع، وهذه طريقة كثير من المتكلمين، فإنهم يرون أن أدلة النصوص خطابية لا برهانية لا تكفي لإثبات القضايا العقلية والمسائل الأصولية. . . وهذا غير صحيح، فإن نصوص الشرع كما جاءت بالخبر الصادق في القضايا العقلية وغرها جاءت بتقرير الحق في ذلك بأوضح حجة وأقوى برهان، لكنها لم تجئ على أسلوب الصناعة المنطقية المتكلفة، بل على أسلوب من نزل القرآن بلغتهم بأفصح عبارة وأعلى بيان وأقرب طريق إلى الفهم وأيسره لأخذ الأحكام. . . إلى قوله: فاللهم أغننا بكتابك وسنة نبيك عن موارد الوهم ومزالق الضلال "
[تعليق رقم 1، 1\ 283، 284 من الأحكام. (2) 2\ 28 منه]
وفي نموذج آخر لما أجاب الآمدي إجابة عقلية محضة على اعتراض ورد في الاحتجاج بالتواتر. [2\ 28 منه]
علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " هذا الجواب لا يصلح ضابطا ولا مقنع فيه للخصم، بل يفتح باب الفوضى والتطاول على النصوص وردها بدعوى عدم العلم بها "
[تعليق رقم 3، 2\ 28 منه]
وفي موضع آخر عند الاحتجاج بخبر الواحد واعتراض الآمدي على من قال بحجيته [2\ 63 منه]
علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " والنصوص تشهد لمن قال بأن خبر الواحد حجة في إثبات أصول الشريعة وفروعها "
[تعليق رقم 3، 2\ 63 منه]
وفي المبحث نفسه رد الآمدي قبول أخبار الآحاد، وأجاب عن أدلة المحتجين به بأن المكلفين إنما يقبلون ما يخبرهم به الآحاد من جهة عقولهم [2\ 64 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " هذا غير صحيح. . فالحجة إنما قامت بالأدلة النقلية، وإلا كانوا مكلفين بذلك قبل ورود الشرع أو بلوغه لمجرد الأدلة العقلية " [تعليق رقم 1، 2\ 64 منه]
وإذا كان هذا كله في مجال التأصيل فالشيخ - رحمه الله - يحرص على النصوص حتى في مجال التأصيل، ومن النماذج على ذلك أن الآمدي - رحمه الله - لما مثّل في باب الأمر المعلّق على الشرط، كقوله: " إذا زالت الشمس فصلوا " [2\ 161 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " لو مثل بأمثلة من النصوص، كقوله تعالى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية، وقوله: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية لكان أولى "
¥