[تعليق رقم 1، 2\ 161 منه]
وإذا كان ما سبق ذكره في هذا المعلم في شِقه الأول وهو عناية الشيخ بالنصوص، فإن الشِق الثاني وهو اهتمامه بصحة الأحاديث والآثار لا يقل شأوا عنه.
وذلك يتجلى في تعقب ما استشهد به الأصوليون عامة والآمدي خاصة من الأحاديث والآثار الضعيفة، بل والموضوعة أحيانا، فقد أمسك الشيخ - رحمه الله - بقلم الناقد البصير والمخرج القدير، غيرة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم واجتهادا في أن تبنى مسائل الأصول على ما صح فيه الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام، والنماذج في هذا أكثر من أن تحصر، بل إن الشيخ - رحمه الله - يتوسع أحيانا في التخريج والحكم على الحديث، فيأخذ الصفحتين وأكثر، استطرادا في الروايات، ونقدا للرواة، ونقلا عن علماء هذا الفن وحكمهم على الحديث سندا ومتنا.
ومن باب الاختصار فسأكتفي بذكر أرقام الصفحات على أنها نماذج قوية وشواهد جلية لمن أراد التوسع في ذلك. [7]
وبعد:
هذا هو المنهج الصحيح الذي ينبغي أن يحتذى؛ ليكون علم الأصول مؤسسا على صحيح المنقول مع صريح المعقول، والله المستعان.
المبحث الثالث:
المعلم الثالث: تركه الإغراق في الجدل والمنطق والفرضيات والعقليات:
وهذا من المعالم البارزة جدا في منهج الشيخ - رحمه الله -، بل يكاد يكون فيصلا بين منهجه ومنهج عامة الأصوليين الذين تأثروا بعلم الكلام وأولعوا بالجدل والمنطق، واسترسلوا في المسائل الفرضية والمباحث العقلية.
ولقد كان الشيخ - رحمه الله - قوي المأخذ شديد الإنكار على صرف لب علم الأصول إلى مباحث كلامية ومسائل عقلية.
ولأضرب بعض النماذج على ذلك.
أولا: في تعريف الكتاب وبيان حقيقة القرآن لما أطال الآمدي النَّفَس في ذكر تعريفات الأصوليين له [انظر: 1\ 159، 160 من الإحكام]
علق الشيخ - رحمه الله - بقوله: " كتاب الله أو القران من الكلمات الواضحة التي يفهم المراد منها الأميون وصبيان الكتاتيب، فتعريفه بمثل ما ذكر من التكلف الذي لا يليق بعلماء الشريعة، مع ما فيه من غموض احتاجوا معه إلى سؤال وجواب، وإخراج ما يجب إخراجه بما فيه من قيود، فما كان أغناهم عن ذلك، لكنها الصناعة المنطقية المتكلفة تغلغلت في نفوس الكثير من العلماء "
[تعليق رقم 1، 1\ 160 من الإحكام]
ثانيا: في إنكاره - رحمه الله - الافتراضات الخاطئة علق على اعتراض أورده الآمدي هو:
" فإن قيل: فلو بعث رسول وظهرت المعجزة القاطعة الدالة على صدقه. . . إلخ " [2\ 49 منه]
علق - رحمه الله - بقوله: (هذا من الفروض الممقوتة التي لا ينبغي الاسترسال فيها، ولا ترتيب حكم عليها، ولا الإجابة عنها، فإن البحث فيها بحث في غير واقع ودخول فيما لا يعني "
[تعليق 1، 2\ 49 منه]
كما أنكر - رحمه الله - الأمثلة الافتراضية مثل ما أورده الآمدي بقوله:
فلو قال: " نهيتك عن ذبح شاة الغير بغير إذنه لعينه، ولكن إن فعلت حلت الذبيحة، ونهيتك عن استيلاد جارية الابن لعينه " [2\ 188، 189 منه]
علق - رحمه الله - بقوله: " هذه أمثلة فرضية لم يأت بمثلها الشرع "
[تعليق 1، 2\ 189 منه]
ثالثا: وفي مبحث قوادح القياس أورد الشيخ - رحمه الله - تعليقا على ما له صلة وثيقة منها بالأصول، ثم قال - رحمه الله: " وما لم يندرج تحت ما ذكرناه فهو نظر جدلي، يتبع شريعة الجدل التي وصفها الجدليون باصطلاحهم، فإن لم يتعلق بها فائدة دينية فينبغي أن نشح على الأوقات أن نضيعها بها وبتفصيلها، وإن تعلق بها فائدة فهي ليست من جنس أصول الفقه، بل هي من عِلم الجدل، فينبغي أن تفرد بالنظر ولا تمزج بالأصول التي يقصد بها تذليل طرف الاجتهاد للمجتهدين "
[تعليق رقم 1، 4\ 69 من الإحكام]
رابعا: وفي الاحتجاج بشرع مَنْ قبلنا لما ذكر الآمدي تكافؤ الأدلة،
قال: " كيف وإن هذه الآيات متعارضة والعمل بجميعها ممتنع " [1\ 147 منه]
¥