تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من أعظم آيات الله عزَّ وجلَّ أن خلق الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم، وعقولهم وأفهامهم، فقرنها الله تعالى مع عجيبة أخرى وهي خلق السموات والأرض فقال U: [ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ] [الروم: 22] فكان من مقتضى هذه الحكمة أن يقع الخلاف بين الناس، فهي سمة البشرية، وسنة كونية لا تتغيرولا تتبدّل وقد صحّ عن ابن عباس ([12] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn12)) رضي الله عنهما قوله: " كان بين آدم ونوح عشرة آخرون كلهم على الإسلام ثم اختلفوا بعد ذلك " ([13] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn13)) ذكر هذا في معرض تفسيره لقوله تعالى U: [ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ] [البقرة 213]، فالخلاف ما زال بين بني آدم من زمن نوح عليه السلام، لم تسلم منه أمّة من الأمم ويقول النبي e: " افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة" ([14] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn14)).

وهذه الأمة ليست ببدع من الأمم، فقد بقى رسولها ش ثلاثاً وعشرين سنة بين ظهرانيهم، يعلمهم الكتاب والحكمة، ويتلوا عليهم آياته ويزكيهم، ومع هذا تنازع الصحابة واختلفوا، في مراد النبي ش كما ثبت في الصحيحين أن النبي e قال: "لا يصلّينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم الصلاة في الطريق. فقال بعضهم: نصلي ولا نترك الصلاة. وقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة فصلوا بعد غروب الشمس فلم يعنف أحداً منهم" ([15] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn15)).

وكذلك حديث: "خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماءٌ فتيمَّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله e فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين" ([16] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn16)).

فلما قُبض النبي e تركهم "على بيضاء نقية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" ([17] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn17)) وما أبلغ كلمة عمه العباس بن عبد المطلب ([18] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn18)) رضي الله عنه حين شك الناس في موته فقال: "والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً، وأحلّ الحلال، وحرّم الحرام، ونكح، وطلَّق، وحارب، وسالم، وما كان راعي غنم يتبع رؤوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمرر حوضها بيده، بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم" ([19] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn19)).

وميراث النبوة الذي ورَّثه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته منه ما هو بيِّنٌ لا اشتباه فيه مثل الحلال المحض كأكل الطيبات من الزروع والثمار وكالنكاح، والتسري. وآخر هو الحرام المحض، كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا، ونكاح المحارم وغيرها.

ومنه ما هو مشتبه فيه، كأكل ما اختلف في تحريمه وحلِّه، كالخيل والبغال، والحمير، والضبِّ، وشرب الانبذة التي يسكر كثيرها، وغيرها.

وهذا القسم هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهاتٌ، لا يعلمها كثير من الناس" ([20] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn20))، فسّره على هذا المعنى الإمام أحمد وإسحاق ([21] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn21)) وغيرهما من الأئمة ([22] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn22)) والعلماء هم الوارثون لعلم النبوة، وأنواع الشبه تختلف بقوة قربها من الحرام، وبعدها عنه، لذلك يقع الخلاف في تحليله وتحريمه لأسباب كثيرة، عني الفقهاء على استقصاءها وذكرها مطوّلة، لكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير