تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أعجبني ما لخَّصه ابن رجب رحمه الله فقال: "ومنه - أي الحلال والحرام - ما لم يشتهر بين حملة الشريعة فاختلفوا في تحليله وتحريمه وذلك لأسباب:

· منها: أنه قد يكون النص عليه خفياً، لم ينقله إلا قليل من الناس فلم يبلغ جميع حملة العلم.

· ومنها: أنه قد ينقل فيه نصان، أحدهما بالتحليل، والآخر بالتحريم، فيبلغ طائفة أحد النصين دون الآخر، فيتمسكون بما بلغهم، أو يبلغ النصان معاً من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ.

· ومنها: ما ليس فيه نص صريح، وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس، فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيراً.

· ومنها: ما يكون فيه أمر أو نهي، فيختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه.

وأسباب الخلاف أكثر مما ذكرنا " ([23] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn23)).

المبحث الثاني

الاختلاف هل هو رحمة؟

شاع وذاع على لسان كثير من السلف أن اختلاف الأمة في الفروع هو ضرب من ضروب الرحمة، فروى عن القاسم بن محمد ([24] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn24)) قوله: "كان اختلاف أصحاب رسول الله e رحمة" ([25] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn25)) وعن عمر بن عبد العزيز ([26] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn26)): " ما يسرني باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حُمْرُ النَّعَم" ([27] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn27)) واشتهر حديث عند الفقهاء وهو: "اختلاف أمتي رحمة" ([28] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn28)). وهذا كله حق لا مرية فيه، إلا أنه حق يعوزه شيء من التفصيل، وهذا التفصيل ذكره الإمام الشافعي - رحمه الله - في "رسالته" حيث جعل لهذا الاختلاف المرحوم قسيماً آخر، وهو: الاختلاف المحرَّم، فلما سئل - رحمه الله - ما الاختلاف المحرّم؟ قال: "كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيِّه منصوصاً بيّناً لم يحلَّ الاختلاف فيه لمن علمه" واستدل على ذلك من كتاب الله تعالى بقوله: U [ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ] [البينة: 40] وبقوله U: [ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ] [آل عمران: 105] فهؤلاء المخالفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم، وجاءتهم البينة، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل ([29] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn29)).

ومن ههنا نشأ الوهم عند من أطلق جواز الترخّص بمسائل الخلاف، مستدلاً بعموم أقوال الأئمة، فأصابهم في ألفاظ العموم، ما أصاب غيرهم في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، فسمعوا أن الاختلاف رحمة، فاعتقدوا أن هذا شامل لكل خلاف، ولم يتدبروا أن الخلاف له ضوابط وشروط، وإلا كان محرّماً مذموماً.

أما كون اختلاف أصحاب النبي e رحمة، فلأنهم كانوا على الحنيفية السمحة، ففتحوا باب الاجتهاد للناس، فتنازعوا وهم مؤتلفون متحابون، يُقرُّ كل واحد منهم الآخر على اجتهاده ومن لطيف توجيهات ابن تيمية في كون الخلاف رحمة قوله ما ملخصه: إن النزاع قد يكون رحمة لبعض الناس، لما فيه من خفاء الحكم، فقد يكون في ظهوره تشديداً عليه، ويكون من باب قوله تعالى U:[ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ] [المائدة: 101] لهذا صنّف رجل كتاباً سماه: "كتاب الاختلاف" فقال أحمد: سمه " كتاب السعة " وضرب لها مثلاً بما يوجد في الأسواق من الطعام والشراب والثياب، فقد يكون في نفس الأمر مغصوباً، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك، كان كله له حلاً لا إثم عليه بحال، بخلاف ما إذا علم ([30] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn30)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير