تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي الجملة فقد دلت نصوص السنة الصحيحة على أن المصيب عند الله واحد في مسائل الحلال والحرام المختلف فيها، ومن أظهرها: " إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس " يقول ابن رجب: " كلام النبي e يدل على أن هذه المشتبهات، من الناس من يعلمها، وكثير منهم لا يعلمها، فدخل فيمن لا يعلمها نوعان: أحدهما: من يتوقف فيها لاشتباهها عليه. والثاني: من يعتقدها على غير ما هي عليه. ودلّ الكلام على أن غير هؤلاء يعلمها ومراده أنه يعلمها على ماهي عليه في نفس الأمر من تحليل أو تحريم، وهذا من أظهر الأدلة على أن المصيب عند الله في مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلف فيها واحد عند الله، وغيره ليس بعالم بها بمعنى أنه غير مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر وإن كان يعتقد فيها اعتقاداً يستند فيه إلى شبهة يظنها دليلاً، ويكون مأجوراً على اجتهاده مغفوراً له خطؤه " ([94] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn94)).

وكذلك الحديث الصحيح: " إذا حاصرت أهل حصن فسألوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك " ([95] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn95)) فدلَّ الحديث على أن لله تعالى حكماً معيناً، يصيبه من يصيبه، ويخطئه من يخطئه.

ثم إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم خطَّأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض، ولو كان قولهم كله صواباً عندهم لما فعلوا ذلك ([96] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn96)). وقال غير واحد من الصحابة كابن مسعود ([97] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn97)) رضي الله عنه: " أقول فيها برأيي فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان " ([98] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn98)).

ولهذه القاعدة - أي أن الحق في قول واحد - كان الأئمة ينكرون ويعذرون في مسائل الخلاف على حسب الأدلة، وهذا هو قول الإمام أحمد، وهو تصرف أصحاب الشافعي، فمن أخذ بحديث ضعيف وترك حديثاً صحيحاً لا معارض له، يقطع بخطئه، ناهيك عمن يخالف إجماعاً أو يترك سنة صحيحة لقول إمام، وإذا كان في المسألة حديثان صحيحان نظر في الراجح فأخذ به، ولا يسمى الآخر مخطئاً، أما إذا كانت المسألة مشتبهة لا نصَّ فيها اجتهد برأيه، ولا يسمى الآخر مخطئاً ([99] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn99))، وهذا الذي يسميه العلماء: الخلاف السائغ.

المبحث السادس

أقوال العلماء في المسألة

سبق القول في المبحث السابق أن مسألة الترخّص بمسائل الخلاف، لها شبه بمسألة من التزم مذهباً فهل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل؟ ولكنه ليس شبهاً مطلقاً، لذلك غلط الزركشي ([100] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn100)) - رحمه الله - حين جعل الخلاف جارٍ فيهما على حدٍّ سواء ([101] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn101))، فمسألة مخالفة العامي المقلَّد، أو المفتي المقلِّد لمذهب إمام في بعض المسائل، الخطب فيها يسير، والخلاف هيِّن، وأقوال العلماء فيه بين: مجيزٍ مطلقاً، ومانعٍ، ومفصِّل ([102] ( http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=147&aid=530#_edn102)). أما مسألة تتبع الرخص فهي أعم من سابقتها، فصاحبها يكتفي من فتياه بموافقة قول إمام - ولو كان نادراً - من غير نظرٍ في ترجيحٍ أو دليل، ويجعل كل خلاف دليلاً على الحلِّ أو التحريم. وهذا الفرق أشار إليه أبو العباس ابن تيمية في " المسوّدة " فقال: " قلت: التخيير في الفتوى والترجيح بالشهوة، ليس بمنزلة تخيِّر العامي في تقليد أحد المفتين، ولا من قبيل اختلاف المفتين على المستفتي، بل كل ذلك راجع إلى شخص واحد، وهو صاحب المذهب، فهو كاختلاف الروايتين عن النبي e، راجع إلى شخص واحد، وهو الإمام، فكذلك اختلاف الأئمة راجع إلى شريعة رسول الله ش، حتى إن من يقول: " إن تعارض الأدلة يوجب التخيير " لا يقول: إنه يختار لكل مستفت ما أحب، بل غايته أنه يختار قولاً يعمل به

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير