وكذلك نقلوا فيما نقلوه لفظ الروح وتطوره. ومن المعلوم أن للروح في العربية معاني متعددة لغوية ودينية وفلسفية وطبية وكيماوية ويهمنا هنا معنى الروح الكيماوي فقد قسم العرب المعدنيات إلى أرواح وأجساد وسموا أفراد كل منها وحصروا الأرواح أول الأمر في النوشادر والزرنيخ والكبريت والزئبق. ثم تدرجوا في دلالة الروح على ما لا يثبت على النار بالتقطير أو التصعيد. وانتقل اللفظ بمختلف دلالاته إلى اللاتينية، ومنها إلى لغات أوربة الحديثة. ذكر دوزي في هذا السبيل أن الروح في الكيمياء تعني السيال اللطيف جداً وتعني الغاز وتعني جوهر الشيء.
هذا وينبغي أن ننبه على خطأ وقع فيه فريق من محققي التراث العربي وهو أنهم إذا وجدوا لفظاً مستعملاً في اللاتينية له شبيه في العربية وهموا فحسبوا أن اللفظ العربي منقول عن اللاتينية. ويكون الأمر على خلاف ذلك تماماً لأن اللاتينية لغتان قديمة ومتأخرة. والمتأخرة هي التي جرى نقل الكتب العربية على أنواعها إليها وتسربت فيها ألفاظ عربية كثيرة فاتسعت واستفاضت وغذّت بمادتها اللغات الأوربية كلها. ومن هذه الألفاظ التي انتقلت إلى اللاتينية بمعانيها المختلفة الروح والكحل.
وكذلك الأمر في اللغة اليونانية فإن طائفة من الألفاظ العربية انتقلت أيضاً إليها خلال الحروب الطويلة السجال بين العرب والروم ولا سيما إبان الدولة الحمدانية وفارسها سيف الدولة.
وقد بلغت اللغة السريانية عصرها الذهبي في ظل الدولة العباسية لدى حركة الترجمة المشهورة وتبادلت اللغتان الشقيقتان طائفة من الألفاظ.
أما اللغة العبرية فإنما بلغت نضجها في ظلال الحكم العربي بالأندلس حين أخذت عن العربية كثيراً من ألفاظها كما أخذت قواعد نحوها وقسماً من بحور عروضها. فمن الضروري التمهل في الأحكام والتبصر في البحث والرجوع إلى تاريخ استعمال اللفظ.
-4 -
وإذن أصل لفظ Alcool الكحل. ولكن لا يمكن استعمال اللفظ العربي أي الكحل للدلالة على هذه المادة أو هذا الصنف الكيماوي من المواد خوفاً من الاختلاط لبعد المراد في التعبير عن الأصل.
وقد شاع إطلاق الكحول على هذه المواد. بيد أنَّا لا نرى في هذا الإطلاق سبباً لاتخاذ اللفظ في العربية لأن الكحول صيغة للجمع. وجمع الكحل ورد على الغالب أكحالاً وورد أحياناً كحولاً.
ثم إذا استعمل الغربيون لفظاً أصله عربي وتدرجوا في استعماله وتوسعوا في هذا الاستعمال إذ احتاجوا إلى هذا اللفظ الجديد نظراً لضيق لغاتهم وضعف بناها وضحل اشتقاقها من بعض الوجوه فلا يلزمنا نحن العرب أن نتبعهم في كل تحريفاتهم إلا إذا اضطررنا إلى ذلك وعزّ أن نجد مقابلاً في اللغة العربية.
أما كحيل فلا نوافق الشيخ المغربي في اعتباره أصلاً وقد سلف أن أشرنا إلى نوع اجتهاده. وقد سبقه الدكتور محمد جميل الخاني إلى استشفاف الأصل العربي هل هو كحل أو كحيل أو غول.
والعجيب في اتساع اللغة العربية وعمقها أنها وجدت لفظاً لهذه الطائفة من الأجسام الحاصلة من تبادل H وذرة أكسيدريل في الفحم الهيدروجيني المشبع قبل الكشف المتطور الطويل عن تلك الأجسام واستبانة تركيبها. ولا نكاد نلفي لغة غنية بالألفاظ والاشتقاق والتركيب والنحت ومواتية لمختلف الأغراض مثل اللغة العربية. وكأنها هي التي سبقت إلى كشف مادة الغول بذكر لفظه قبل كشف بنيته وتركيبه، وإن كان العرب قد قطروا الأجسام وصعدوها وحصلوا على خلاصاتها وأرواحها وعرفوا منها روح الخمر. فالغول مصدر واسم. واستعماله في الدلالة الحديثة يغني عن استعمال لفظ له صيغة الجمع وليس بجمع. ثم إن الغول بصفته مصدراً متهيئاً لمختلف الأغراض الاشتقاقية كغوّل وتغوّل واغتال واستغول واغوالّ، وكذلك يصلح بوصفه اسماً للجمع فيقال أغوال وإذا زيدت تاء التأنيث قيل غولة وجمعها غولات، ويمكن اشتقاق لفظ الآلة منه فيقول مغوال ومغولة ومغول وهلم جرا لمختلف القياسات. وهذا كله يساعد على ترجمة الألفاظ الأجنبية المتعددة التي اشتقت من لفظ هجين عندهم هو Alcool. وما أكثر هجناءهم وتعبيراتهم المضطربة لولا مناهجهم العلمية التي هم مثابرون عليها ولولا تعاونهم في سبيل التقدم والعلم.
¥