ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[04 - 09 - 05, 08:57 م]ـ
المسألة 25:
منعوا حذف أو إضمار حروف العطف ..
قال السهيلي في نتائج الفكر:
لا يجوز إضمار حروف العطف , خلافا للفارسي ومن قال بقوله, لأن الحروف أدلة على معان في نفس المتكلم , فلو أضمرت لاحتاج المخاطب إلى وحي يسفر به عما في نفس مكلمه.
وحكم حروف العطف في هذا حكم حروف النفي والتوكيد والتمني والترجي وغير ذلك, اللهم إلا أن حروف الاستفهام قد يسوغ إضمارها في بعض المواطن , لأن للمستفهم هيئة تخالف هيئة المخبر.
(قلت: لعل السهيلي –رحمه الله- يقصد بالهيئة ما يصاحب الجملة الاستفهامية من تنغيم فيفهم المخاطب أن صاحب الجملة سائل لا مخبر ... وعلى هذا يجوز حذف أداة الاستفهام بدون ضرر لأن التنغيم قرينة كافية على المراد)
قال السهيلي:
إلا أنهم احتجوا لمذهبهم بآي من كتاب الله تعالى وأشياء من كلام العرب هي عند التأمل والتحصيل حجة عليهم , كقول الشاعر:
كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما ... يثبت الود في فؤاد الكريم.
هو عندهم على إضمار حرف العطف , ولو كان كذلك لانحصر إثبات الود في هاتين الكلمتين من غير مواظبة ولا استمرار عليهما. ولم يرد الشاعر ذلك , وإنما أراد أن يجعل أول الكلام ترجمة على سائره, يريد الاستمرار على هذا الكلام والمواظبة عليه , كما تقول: قرات ألفا باء ,جعلت ذكر هذين الحرفين ترجمة لسائر الباب وعنوانا للغرض المقصود.
ولو قلت: قرات ألفا و باء , لاشعرت بانقضاء المقروء , حيث عطفت " الباء" على "الألف" دون ما بعدها , فكان مفهوم الخطاب أنك لم تقرأ غير هذين الحرفين. ألا ترى كيف أشعرت "الواو" في قوله سبحانه (وثامنهم كلبهم) على انقضاء العدد المتنازع فيه.
وما مثلوا به من قولهم:"اضرب زيدا عمرا خالدا" ليس كما ظنوه من إضمار "الواو" ولو كان كذلك لاختص الأمر بالمذكورين, وإنما المراد الإشارة بهم إلى ما بعدهم ومنه قولهم:" بوبت الكتاب بابا بابا" و "قسمت المال درهما درهما" ليس على إضمار حرف العطف , ولو كان كذلك لانحصر الأمر في" درهمين" و"بابين" ..... وأما ما احتجوا به من قوله سبحانه: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد) فليس على معنى الواو كما توهموه ولكن جواب إذا في قوله: قلت: لا أجد. وقوله تعالى (تولوا عنهم) إخبار عنهم وثناء عليهم والكلام غير محتاج الى العطف بالواو.
(قلت: يقصد السهيلي أن جملة (تولوا عنهم) استئناف لا محل لها من الإعراب ...... وهي على رأي المعترض عليهم جواب الشرط ... فتكون جملة (قلت لا اجد) تنتمي الى حيز فعل الشرط وليست جوابا له فقدروا معها عاطفا محذوفا. وعلى رأي السهيلي هي جواب الشرط وهو الصحيح ... )
قال السهيلي:
وبلغني عن بعض أشياخنا الجلة أنه جعل من هذا الباب قول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-"لا يغرنك هذه التي أعجبك حسنها حب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لها"وقال: المعنى: حسنها وحب رسول الله لها. وبلغ الاستحسان بالسامعين لهذا القول إلى أن علقوه في الحواشي من كتاب الصحيح للبخاري –رحمه الله تعالى- وليس الأمر كذلك ولكن "الحب" بدل من قوله "هذه" بدل اشتمال في موضع رفع .... انتهى كلام السهيلي –رحمه الله-.
(هذا النص حقه أن يوضع في باب الفصل والوصل من مباحث علم المعاني .... وفيه دلالة واضحة على مقدرة السهيلي في تذوق الكلام واستكناه أغواره ..... وإن كان شيء يؤسف له فهو الفصام بين النحو البلاغة فلو قدر لهما الامتزاج –كما حصل هنا عندالسهيلي- لكان الدرس اللغوي العربي في السماء. لكن ماشاء الله وقع.)
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[20 - 09 - 05, 07:19 م]ـ
المسألة 26:
منعوا توكيد النكرة توكيدا معنويا.
اعلم أن التوكيد يكون لفظيا ويكون معنويا, فالأول يتحقق بتكرير اللفظ نفسه (حرفا أو كلمة أو جملة) أو بتكرير المعنى دون لفظه مثل:"ذهب, انصرف محمد."
أما التوكيد المعنوي فيكون بالفاظ مخصوصة تأتي بعد اسم المؤكد مضافة إلى ضمير متصل عائد على المؤكد .... ومن هذه الألفاظ: نفس ,عين, كل, جميع ....... الخ.
لكن يشترط للمؤكد بهذه الألفاظ أن يكون معرفة فلا يستحق التوكيد إلا ماكان حاضرا في ذهن المخاطب أو السامع .... وليس من الحصافة في شيء أن نؤكد المجهول أو ما لم يكن حاضرا في الذهن .... فلا فائدة من قولنا: "جاء رجل نفسه" .....
لكن الكوفيين جوزوا توكيد النكرة توكيدا معنويا إذا كانت محدودة .... منها الكلمات التي تدل على زمن مقدر بعدد محدود مثل يوم , شهر , سنة, حول ...... الخ. فيجوز عندهم أن تقول:"صمت شهرا كله."
أما البصريون فيمنعونه.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[03 - 10 - 05, 03:55 م]ـ
المسالة 27:
منعوا نيابة غير المفعول به مع وجوده.
ينوب عن الفاعل بعد حذفه المفعول به أو الظرف أو المصدر أو المجرور. وقد يوجد بعد بناء الفعل للمجهول مفعول به ومصدر وظرف وجار ومجرور نحو:"ضُرب اللص ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الناس في المجلس" فأي هذه الأمور ينوب عن الفاعل؟
-منع جمهور البصريين نيابة غير المفعول به مع وجوده تقدم أو تأخر, فإذا قلت:" ضربت زيدا ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الناس"وأردت بناءه للمجهول قلت –على رأيهم-:"ضرب زيد ضربا شديدا يوم الجمعة .... "أو تقول:"ضرب ضربا شديدا زيد يوم الجمعة ..... "
-أجاز الأخفش والكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده.
واستدلوا بورود ذلك في القرآن و كلام العرب.
قال ابن مالك: وأجاز هو-أي الأخفش- والكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده وبقولهم أقول إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب ومنه قراءة أبي جعفر:"ليُجزى قوما بما كانوا يكسبون" فاقام الجار والمجرور مقام الفاعل وترك"قوما" منصوبا وهو مفعول به ..
هذه الآية وغيرها من شواهدهم خرجها البصريون على ما يوافق مذهبهم , قال ابن عصفور في تخريج قراءة أبي جعفر السابقة: "إن "قوما" ليس بمعمول "ليجزى" بل لفعل مضمر بدل "يجزى" كأنه قال: جزى الله قوما, ويكون مفعول "يجزى" ضمير المصدر المفعول منه كانه قال:ليجزى هو أو ليجزى الجزاء ...... " (انظر فاخر)
قلت:
لا يخفى على المنصف ما في هذا التخريج من تكلف ...... ولعل مذهب الكوفيين الذى اختاره ابن مالك أولى بالاتباع. والله أعلم.
¥