هي الدنيا تقول لساكنيها (أ) حذار حذار من بطشي وفتكي (ب)
فلم يسمع لها فيهم كلام (ج)
وتاهوا في محبتها وهاموا (ج)
وكم نصحت وقالت يا نيام (ج)
فلا يغرركم مني ابتسام (ج) فقولي مضحك والفعل مبك (ب) (30)
{12} هو نمط من النظم متأخر الزمان والمكانة. فأما أنه متأخر الزمان، فمن أنه تحويل لنوع من التخميس قديم نَحَلَ الرواةُ امرأ القيس شيئًا منه لم يُصَحَّحْ له، ورُوي أن بشارًا المُرَعَّثَ كان يصنعه عبثاً واستهانة بالشعر (31)، فيه "يؤتى بخمسة أقسام على قافية، ثم بخمسة أخرى في وزنها على قافية غيرها كذلك، إلى أن يفرغ من القصيدة، هذا هو الأصل" (32)، هكذا:
ـــــــ أ ــــــــ أ
ـــــــ أ ــــــــ أ
ـــــــ أ
ــــــ ب ـــــــ ب
ــــــ ب ـــــــ ب
ـــــــ ب
ثم حُوِّل إلى جعل قافية الشطر الخامس من الخَمَسات التالية للأولى، مثل قافية خامس الخمسة الأولى، هكذا:
ـــــــ أ ــــــــ أ
ـــــــ أ ــــــــ أ
ـــــــ أ
ــــــ ب ـــــــ ب
ــــــ ب ـــــــ ب
ـــــــ أ
ثم حُوِّل إلى تغيير قافية خامس الخمسة الأولى نفسه، هكذا:
ـــــــ أ ــــــــ أ
ـــــــ أ ــــــــ أ
ـــــــ ب
ــــــ ج ـــــــ ج
ــــــ ج ـــــــ ج
ـــــــ ب
وسّميت هذه القافية الموحَّدة "عمود القصيدة" (33)، وعندئذ التفت الشعراء إلى تخميس قصائد السالفين.
{13} وأما أنه متأخر المكانة، فمن أنه ذِلَّةُ الجادّ الذي يكبر السالف فيضع من نفسه له، ولعبة الهازل الذي ربما قلب للسالف معناه ولسان حاله يقول: انظر كيف ألعب بك!
"وما لذلك قصد الذين وضعوا هذه الأنواع، ولا هو شيء في أصل الفطرة الشعرية … تلك الأنواع في الشعر الجيد أشبه بالزيادة في تراب الميت: لا يجدِّد موته ولكنه وَسْواسٌ وعَيْث" (34).
في الشعر العماني وشعر أبي سرور
{14} لقد جَرَتْ على الشعر العماني، سنة المعارضة العربية بما تعلق بذيلها من التخميس، غير أن بعض الباحثين حمل على الشعر العماني مراحل الركود ثم البعث ثم التجديد والابتكار التي تناول بها النقاد الشعر في سائر بلاد العرب، فصنع فصلا في "المعارضات الأدبية: قيمتها ودورها في بعث الشعر العماني" ذكر فيه أنها مثلت "جانبا له أهميته في حركة إحياء الشعر" (35)، وأن من شعرائها أبا سرور (36) وفي خلال ذلك عرض للتخميس، فرآه محاولة " لمجاراة أسلوب فحول الشعراء" (37)، ثم رآه "لا يصلح دليلاً في مجال بعث الشعر العربي ونهضته، بقدر ما كان معوقًا ومضعفًا لهذه الحركة" (38).
أما إكراه الشعر العماني على قبول تلك المراحل، فمسألة فرغتُ من نقدها من قبل (39)، وأما نسبة أبي سرور إلى "الإحيائيين" - على تكلف المرحلة والمذهب - فعجيبة الحصول له وهو ابن سنة ست وثلاثين وتسعمائة وألف، العائش بيننا فتيًّا، وأدق منها نسبته إلى "المحافظين" مثلا، وأما قوله الأول في التخميس فمنقوض بقوله الآخر الذي كاد يسلم لولا شوبه بزعم المرحلة. وربما كان من مساوئ هذه الفَعْلة تضليلُ بعض الباحثين؛ إذ نسب أبا سرور إلى الإحيائيين مرة (40)، ثم أخلاه منها أخرى (41)!
{15} وخلال حديث الدكتور أحمد درويش عن مظاهر معاصرة الجيلين القديم والحديث في شعر الخليلي العماني، يرد ذكر "جانب آخر من الأغراض التي طرقها الشيخ الخليلي يندرج في ترويض القول وإثبات العلاقة الدائمة المتجددة بالتراث وإثبات المقدرة الشعرية … في هذه الظاهرة كثير من شعر المعارضات والتخميس، والموشحات، وجانب كبير من شعر الحكمة" (42)، ورغم ما في ضم الحكمة إلى ما قبلها من خلط لرسالة الشعر بوسائله، أستحسن نسبة المعارضة والتخميس إلى "تَرْويض القَوْل" (43) الذي يلائم فهمنا السابق في الفقرة السابعة.
¥