{16} وفى ختام دراسته لأبي سرور قال أبو همام: "سبق أن ذكرنا رأينا في التخميس أثناء حديثنا عن الخليلي، وما قلناه هنالك يقال هنا" (44)، وكان قال هنالك "هو أيضًا يضاف إلى الأبواب الأخرى المثبتة قدرة الشاعر إلى أقرانه من القدامى، وينبئ كذلك عن مدى إعجاب شاعر بما يخمسه، وإلا ما كان أغناه عن طرق هذا الموضوع جملة، والقدامى عندنا عرفوا هذا الطريقة ... فالتخميس والتشطير مثل المعارضة، جوادان يتسابقان، ولكن الثاني ينسج على منوال الأول، ويحاول أن يبزه ويسبقه" (45)، ثم يقول في أبي سرور: "في الديوان معارضة لنونية ابن زيدون ... وحسنًا فعل الجيل اللاحق أن لم يحصر نفسه في آصار الجيل السابق عليه فامتاحوا من ذواتهم، ووسعوا قراءتهم لولا أن بعضهم فر إلى الفوضى والتسيب" (46).
وفيما قاله نظر أغراني بذكر كلامه على طوله، أعرضه فيما يأتى:
أولاً - أما أن التخميس كالمعارضة، علامة إعجاب الخالف بالسالف، فمما لا ريب فيه، وقد سبق في الفقرة الحادية عشرة بيانه.
ثانيًا - أما أن التخميس كالمعارضة، باب الخالف إلى إثبات قدرة كالتي للسالف، فمما فيه ريب؛ إذ أين ذلة المخمِّس ولعبته من مجاراة المعارض ومباراته؟!
ثالثًا - أما أن القدامى عرفوا التخميس، فغير صحيح إذا عنى تخميس قصائد السالفين - وهو دون غيره مجال كلامه - إذ الذي عرفوه حتى نحلوا امرأ القيس شيئًا منه، طريقة في إخراج القصيدة على أشطر منظمة بالقافية، سبق في الفقرة الثانية عشرة بيانها.
رابعًا - إطلاق الحكم على أبي سرور وغيره، منهج أبي همام المطرد في كثير مما كتب، يقتحمه بفضل خبرته، واعتماد تطبيق المقارنة التمثيلي التفصيلي أسدى وأولى، ويكفي دليلاً أن علّة ما رآه من أن نونية أبي سرور "ليس فيها ما ننتظره من التنفس من رئتي ابن زيدون" (47)، أنها لا تعارضها أصلاً بل تعارض نونية شوقي!
لقد كتب ابن زيدون وهو مكروب نونيته في الأسف للفراق، والشوق للقاء، والغزل بالمحاسن وأرسلها إلى ولادة (48)، وكتب شوقي وهو مكروب منفي إلى بلد كان لابن زيدون وولادة فصار لخوليو وكرستين، نونيته في الأسف لتبدل الحال، وتمجيد الوطن، والشوق إليه، والفخر بنفسه وبرفاق أَزْمته، وأرسلها إلى مصر (49)، وكتب أبو سرور متمثلاً حال شوقي، نونيته في الشوق إلى الماضي العزيز، والأسف لتبدل الحال، والتهديد بالعودة، والفخر بالمسلمين عامة والعمانيين خاصة، وألقاها في المؤتمر الذي أقيم لذكرى ابن زيدون بالمغرب (50)
وربما كان من مساوئ فعلة أبي همام اتباعُها؛ إذ أطلق بعض الباحثين الحكم على أبي سرور قائلاً: "قارئ شعره يلحظ مدى تأثره بالشعراء السابقين في مجاراتهم في كثير من قصائده ومعارضتهم والاقتباس من شعرهم، والاستفادة من طرائقهم، وهذا ما سوف تكشفه لنا هذه الدراسة" (51)، ثم لم يف بما وعد!
خامسًا - رؤية المعارضة قيدًا تقيد به جيل أبي سرور، واستحسان انفكاك الجيل التالي له منه، مما لم نقبله وقدمنا تفنيده في الفقرة الثالثة، ويكفي دليلاً اعترافه بخروج بعض هذا الجيل التالي، إلى الفوضى والتسيب، ولو تعلم المعارضة ما أخرجته إليهما.
{17} ليطلق الباحثون في الشعر العماني بعامة وشعر أبي سرور بخاصة، القول في المعارضة والتخميس ما شاؤوا، دون أن يشفع واحد منهم ذلك بتطبيق المقارنة التمثيلي التفصيلي، رغم أنه وحده الفيصل (52).
وليقل أبو سرور نفسه: "لم أقرأ ديوان شعر كاملاً عن شاعر ولكني كنت أكثر من مطالعتي من ديوان البارودي حتى عزمت أن أجعله شاعري الوحيد، لما فيه من شهامة ورجولة وبطولة، حتى وصلت إلى قصيدة يمدح فيها ويتزلف، فثنيت عناني عنه، ولم أكمله، ولم أعد إليه، وأتصفح أحيانًا من شعر عنتر وشعر المتنبي" (53).
فلن يثنينا شيء عن تطبيق المقارنة التمثيلي التفصيلي المبني على مقدمة مُجَدْوَلةٍ مِنْ إحصاء العناصر الدالة، ولا عن اعتماد نتائجه وحدها.
مادة البحث
¥