تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{18} في أولية باب السرقات الشعرية قال ابن الأثير: "من المعلوم أن السرقات الشعرية لا يمكن الوقوف عليها إلا بحفظ الأشعار الكثيرة التي لا يحصرها عدد، فمن رام الأخذ بنواصيها والاشتمال على قواصيها بأن يتصفح الأشعار تصفحًا ويقتنع بتأملها ناظرًا، فإنه لا يظفر منها إلا بالحواشى والأطراف" (54).

وحال دارس المعارضات قريبة من حال دارس السرقات، ومن ثم يوشك أن يوئسه العجز عما وصف ابن الأثير، غير أن اختلاف حال المعارض وحال السارق، ينشط به إلى عمله؛ فبينما يتطرف السارق بسرقته فيطلبها من بنيات الطريق ليُنسب إليه الإبداع دون صاحبه، يعمد المعارض بمعارضته إلى لَقَم الطريق فيطلب القصائد الشامخة المشهورة ليستفيد من دلالة تاريخها وحياتها في ذاكرة الأمة (55)، وبينما يخفى السارق دبيبه ويستر حاله، يبدى المعارض عمله ويخلع عليه من علامات ما عارضه، كما سبق في الفقرة الخامسة.

{19} لقد بين الجدولان الأول والثانى، معارضة أبي سرور لثمانى قصائد، وتخميسه لقصيدتين: أما المعارضة الأولى فلميميّة المتنبي التي منها أبيات الفخر الشاردة: "أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبى ... " (56)، وأما الثانية فلنونية عمرو بن كلثوم المعلقة (57)، وأما الثالثة فلميميّة المتنبي التي منها أبيات الحكمة الشاردة: "على قدر أهل العزم تأتى العزائم ... " (58)، وأما الرابعة فلكافيّة شوقي التي منها أبيات الأغنية الشاردة: "يا جارة الوادى طربت وعادنى …" (59)، وأما الخامسة فلنونية جرير التي منها أبيات الغزل الشاردة: "إن العيون التي في طرفها مرض …" (60)، وأما السادسة فلنونية شوقي التي منها أبيات الأسف الشاردة: "يا نائح الطلع أشباه عوادينا …" (61)، وأما السابعة فلرائية المتنبي التي منها أبيات الحكمة الشاردة: "دع النفس تأخذ وسعها قبل بينها …" (62)، وأما الثامنة فلنونية شوقي التي منها أبيات الحكمة الشاردة: "دقات قلب المرء قائلة له ... " (63) - ولا ريب في أن المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس قديمًا وشوقى الذي ملأها وشغلهم حديثًا، جديران بأن يتكافآ لديه ويشغلاه عن غيرهما - وأما التخميس الأول فلأبيات من دالية البارودي (64) شاعر أبي سرور الأول، وأما الآخر فلقصيدة أبي وسيم (65) بَلَديِّه فخر سمائل.

دلالات أوّليّة

{20} لقد بين الجدولان الأول والثاني أن التخميس ربع المعارضة، وهو دليل أنه ظاهرة ضعيفة عارضة توشك أن تمّحي، وأن المعارضة قليلة إلى قصائد المجلدات الأربعة العديدة، وهو حق طبيعتها؛ فأين المِسَنّ الذي يجلو من صفحة السيف، من السيف الذي ينتهب الرقاب انتهابا - غير أنها واردة في كل مجلد منها، وهو حق طبيعتها كذلك؛ فلا غنى للسيف عن المسن.

{21} كانت المعارِضات الخالفات أقصر من المعارَضات السالفات، إلا الخالفة الثامنة الأخيرة التي كانت أطول من سالفتها. إنه فضلا عن توفر أولئك الشعراء الكبار السالفين، على الشعر، وعنايتهم به وانصرافهم إليه، وأن قصائدهم هذه من عيون شعرهم الذي إنما صار كذلك بما ناله من تحكيكهم وصبرهم أنفسهم عليه – ظهر لي أن لقلب أجزاء الرسالة (لُبّها) أثرا في ذلك؛ فعندما يوافق هذا القلب في الخالفة نظيره في السالفة، يجتهد الشاعر أن يشقق الكلام ويزيد على سلفه، وهو ما كان في الثامنتين؛ إذ اتفق بينهما "الرثاء"، وعندما يخالفه ينصرف الشاعر إلى ما يقيم المعارضة، وهو ما كان في الأوليين بالمدح في الخالفة والعتب في السالفة، والثانيتين بالمدح في الخالفة والفخر في السالفة، والثالثتين بالحكمة في الخالفة والمدح في السالفة، والرابعتين بالغزل في الخالفة والتمجيد في السالفة، والخامستين بالفخر في الخالفة والهجاء في السالفة، والسادستين بالأسف في الخالفة والشوق في السالفة، والسابعتين بالحكمة في الخالفة والمدح في السالفة.

{22} خمّس أبو سرور قصيدة أبي وسيم كلها، على حين اقتطع من قصيدة البارودي ما خمسه، وقد ظهرت لذلك عندى أسباب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير